تحديث
20/09/2016 10:38 صباحا
نصوص لاتصح في دراسة سيرة مسلم بن عقيل ع
قال أبو مخنف - فحدثني المجالد بن سعيد :
فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها : طوعة ام ولد كانت للأشعث بن قيس فاعتقها فتزوجها اسيد الحضرمي فولدت له بلالا .
وكان بلال قد خرج مع الناس وامه قائمة تنتظره ، فسلم عليها ابن عقيل ، فردت عليه ، فقال لها : يا امة الله اسقيني ماءا ، فدخلت فسقته فجلس ، وأدخلت الاناء ثم خرجت فقالت : يا عبدالله الم تشرب ؟ قال : بلى ، قالت : فاذهب إلى أهلك ،
فسكت ، ثم عادت فقالت مثل ذلك فسكت ، ثم قالت له : فئ لله سبحان الله يا عبدالله فمر إلى اهلك عافاك الله فانه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا احله لك . فقام فقال يا امة الله مالي في هذا المصر منزل ولا عشيرة ، فهل لك إلى أجر
ومعروف ولعلي مكافئتك به بعد اليوم ، فقالت يا عبدالله وما ذاك ؟ قال : انا مسلم بن عقيل ، كذبني هؤلاء القوم وغروني قالت انت مسلم ؟ قال : نعم ، قالت : ادخل... الخ الخبر ([1]).
وهذا الخبر يحتاج الى دراسة مستفيضة من حيث السند اذ ان راويه رجل اشتهر بضعفه وكذبه كما قدمنا ذلك واثبتناه عن كبار علماء الجرح والتعديل او من حيث المتن المضطرب ..لعدة امور :
- ان مسلم بن عقيل عليه السلام عاش 5 سنوات في الكوفة ايام حكومة عمه امير المؤمنين عليه السلام، وبالتالي كان اعرف الناس بجغرافيتها وتركيبتها السكانية ودورها وبالأخص كان مسلم عليه السلام فارسا شجاعا ..ولا يستبعد انه تولى مناصب امنية في حكومة علي عليه السلام.. فمسالة ضياع مسلم عليه السلام في الكوفة امر مستبعد جدا اضف الى ذلك كيف يختار الامام الحسين عليه السلام رجلا في مهمة سفير لثورته المباركة وهو يعلم مسبقا انه لا يعرف الاحياء وجغرافية الارض ولا اماكن شيعته واعدائه. فان اعتبر هذا فشل فإنما ينجر الى اساءة لقائد الثورة وهو الحسين عليه السلام كما حاول البعض من الكتاب اليوم ان يقول : ان مسلم عليه السلام اختيار فاشل من قبل الحسين ع لأنه اضاع 18 الف جندي من بين يديه خلال سويعات وقلنا هذا امر غير صحيح وبعيد عما عرف من سيرة الحسين عليه السلام من ذكاء وتخطيط ومعرفة بالآمور .
- اشار المؤرخ الدينوري الى نص مهم جدا يكشف لنا جزء من تخطيط مسلم عليه السلام لإنجاح نهضته وهو يتحدث عن السيدة طوعة قال : (و كانت ممن خف مع مسلم، فآوته، و أدخلته بيتها....) ([2]).
وجاء في بعض معاجم اللغة ان معنى خف: وخَفَّ فلان لفلان إذا أَطاعه وانقاد له. وخَفَّتِ الأُتُنُ لبعيرها إذا أَطاعَتْه؛ وقال الراعي يصف البعير وأُتُنه:
نَفَى بالعِراكِ حَوالِيَّها،فَخَفَّتْ له خُذُفٌ ضُمَّرُ
والخَذُوفُ: ولد الأتان إذا سَمِنَ. ([3]) ويفهم منه انها كانت تعمل مع مسلم بن عقيل عليه السلام وهي منقاده له ومطيعة يعني ممن اشترك معهم في نهضته و كأن بيتها البيت السري لنهضة مسلم عليه السلام ..
ونقل في بعض المصادر « إنّها كانت مولاة للهاشميين تخدمهم أيّام كانوا في الكوفة خلال خلافة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام»([4]).
وبالتالي اذا كانت مولاة لبني هاشم فهذه الدار التي تسكنها ليست بمجهولة عن مسلم عليه السلام وطبيعة نهضته وهي بالطبع تعرف مسلم بن عقيل عليه السلام ولا يحتاج مسلم ان يعرف نفسه لها بعد هذا النص ,فتأمل . وبالتالي يكون الحوار بينها وبينه من باب كلمة السر او ما يسمى في العرف العسكري ( سر الليل ) الذي هو كلمة توزع اخر النهار للجنود ولا يمر جندي ليلا قرب الثكنة العسكرية الا عندما يعرف عنها وعن نفسه والا يعرض نفسه للمسآلة من قبل الحرس هناك .ولا يستبعد ان مسلما عليه السلام جعل من دارها محطة هامة في نهضته بل وكما اشارت بعض النصوص انه اشترى الدور التي حول دار طوعة لكي تكون مكان استراحة لجنده وخلية ازمة ومقر طوارئ لحركة مسلم بن عقيل عليه السلام .
- حتى في النص اعلاه نجد ان مسلما عليه السلام لم يتهم شيعته بالخذلان والتفرق عنه فهو يقول كذبني القوم وبالتالي لا محيص من قبول مسالة ان التفرق والتخاذل لم يكن بهذا الشكل العجيب الذي وصفته الروايات العباسية بل صمد مع مسلم عليه السلام من بقي من شيعته الذين لم يسجنوا وكان عدد المسجونين منهم كما نقلنا مايقرب من 12 الف -حتى قتلوا واسروا كما يشير الى ذلك نص الفرزدق الذي نقلناه .
وعلى العموم ان دراسة نصوص هذه الحقبة من التاريخ يحتاج تحقيق كبير ودقة في دراسة كل كلمة وردت في النص والابتعاد عن النصوص المرسلة والتي عرف عن رواتها بالكذب والتدليس لان نهضة مسلم بن عقيل لاقت كأخواتها من ثورات الشيعة الكثير من الحيف والظلم من قبل المؤرخين والذين اساؤوا لشخصية مسلم كثيرا حتى عده بعض المؤرخين انه استجار بطوعة فيالله والتاريخ والتعصب المقيت خذ اليك ما قاله النويري،
(فهرب مسلم حتي دخل علي امرأة من كندة، فاستجار بها. .). ([5]). او ما قاله الذهبي :
(فهرب مسلم، فاستجار بامرأة من كندة..) ([6])..
فلم يكتفوا بوضع روايات تشير الى تخلف جيشه عنه حتى نسبوا اليه الفرار والهرب وهذه ليست من شيمة ولا من اخلاقه العلوية ابدا فهو فارس لا يهاب الموت ابدا وهو كعمه علي لا يفر من حرب ولا من قتال ..ومن ثم يستجير بامرأة من سائر العرب ..
ان كل من ارخلنهضة مسلم بن عقيل عليه السلام اشار الى انه وقد أبدى من البطولات النادرة ما لم يشاهد لها التاريخ نظيرا في جميع عمليات الحروب، وكان يقاتلهم وهو يرتجز :
هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع * فانت بكاس الموت لا شك جارع
فصبر لامر الله جل جلاله * فحكم قضاء الله في الخلق ذايع
وابدى سليل هاشم من الشجاعة وقوة الباس ما حير الالباب، وابهر العقول، فقد قتل منهم فيما يقول بعض المؤرخين واحدا وأربعين رجلا([7]). ما عدا الجرحى، وكان من قوته النادرة أنه يأخذ الرجل بيده ويرمي به من فوق البيت ([8]).وليس في تاريخ الانسانية مثل هذا البطولة، ولا مثل هذه القوة وليس هذا غريبا عليه فعمه علي بن أبي طالب اشجع الناس واقواهم باسا، واشدهم عزيمة .
([1])أبو مخنف، مقتل الحسين ( ع ) : 45 .
([2])الدينوري، الأخبار الطوال: 240
([3])ابن منظور ، لسان العرب : ج5 ص 114 دار صادر بيروت 2003 .
([4])مبعوث الحسين عليه السلام : ١٩٨.
([5])النويري ،نهاية الارب، 399 - 398 / 20.
([6])الذهبي، تاريخ الإسلام: ج2 ص 269 .
([7])ابن شهر اشوب : مناقب ال ابي طالب :ج2 ص 212.
([8])العاملي ،الدر النضيد ص 164.