تحديث
17/09/2016 10:22 صباحا
كربلاء برؤية جديدة 2-وقائع ودلالات مؤتمر منى وثورة الحسين ع
من يقرأ سيرة الامام الحسين عليه السلام يجد انه على الرغم من منع وحجب شيعته عن التشرف بلقاءه من قبل ال امية ،الا انه كانت لديه الكثير من الطرق التي توصل تعاليمه وافكاره واوامره الى شيعته مثل الرسائل التي يرسل بها عبر سفرائه ومعتمديه الى سائر الاقاليم لدعوتهم للانضمام الى قضيته العادلة ..او عن طريق اللقاءات السرية بزعامات الشيعة وقياداتهم العسكرية سواءا في الحج او عند زيارة قبر النبي الاكرم ص واله ..
وروى سليم بن قيس: لما كان قبل موت معاوية بسنة حجّ الحسين بن علي عليهما السلام وعبد اللّه بن عباس وعبد اللّه بن جعفر، فجمع الحسين بني هاشم ثمّ رجالهم ونساءهم ومواليهم ومَنْ حجّ من الأنصار ممّن يعرفه الحسين وأهل بيته عليهم السلام ، ثمّ أرسل رسلاً لا تدعون أحداً حجّ العام من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ اجمِعوهم لي، فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمئة رجل وهم في سرادقه، عامّتهم من التابعين ونحو من مئتي رجل من أصحاب النبي صلى اللهعليه وآله .
فقام فيهم خطيباً، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: « أمّا بعد، فإنّ الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم، وعلمتم وشهدتم، وإنّي اُريد أن أسألكم عن شيء، فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبت فكذّبوني. اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي، ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم؛ فمَنْ أمنتم من الناس ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقّنا؛ فإنّي أتخوّف أن يُدْرس هذا الأمر، ويذهب الحقّ ويُغلب، واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون ».
وما ترك شيئاً ممّا أنزله الله فيهم من القرآن إلاّ تلاه وفسّره، ولا شيئاً ممّا قال رسول الله صلى الله عليه وآله في أبيه وأخيه وأمّه وفي نفسه وأهل بيته إلاّ رواه...، وفي كلّ ذلك يقول أصحابه: اللّهمّ نعم، وقد سمعنا وشهدنا. ويقول التابعي: اللهمّ قد حدّثني به مَنْ أثق به وائتمنه من الصحابة.
فقال: « أنشدكم الله إلاّ حدّثتم به مَنْ تثقون به وبدينه ».([1])
قلنا :
ومن المؤسف ان مؤتمر منى الذي عقده الامام الحسين ع قبيل انطلاق نهضته المباركة لم يسلط عليه الضوء كثيرا ولم يدرس ابدا من حيث الاسباب التي دعت لانعقاده والظروف الحرجة التي انعقد فيها وكيفية ترتيب المؤتمر وفق الاحداث الساخنة يومها ...وماهي الاليات التي اتبعها الامام الحسين ع لتوفير الحماية لهذا العدد الكبير من خلص اتباعه واوليائه ...وعلى العموم هذه بعض الوقفات مع نص هذا المؤتمر الذي نقلناه اعلاه :
- ان معاوية توفي سنة 60 للهجرة فقد توفّي في دمشق عن 78 سنة بعدما عهد بالأمر إلى ابنه يزيد بن معاوية ودفن في دمشق وكانت وفاته في رجب سنة 60 هـ كان خلالها والياً ل 20 عام وخليفة ل 20 عام أخرى ([2]).
وبالتالي نجد ان تاريخ توقيت المؤتمر يكون في سنة 59 للهجرة وهو توقيت قريب جدا على اعلان الامام الحسين عليه السلام لنهضته المباركة ضد اشياع ال امية.
- ان انعقاد هذا المؤتمر وفق الظروف السياسية المضطربة التي سادت البلاد في اخر سنتين من حكم معاوية الذي اصيب باللقوة وبدا واقع الحكم الاموي يتردى كثير لان بعض النصوص تقول ان معاوية خرف في اخر سنتين من حكمه او اصيب بفقدان الذاكرة او مرض نفسي اخر كما أشار بعض الباحثين او اصيب بمرض يسمى الدبيلة ، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى أحد ممن صحبه أنه يموت على غير ملة الإسلام وعلامة أمره أنه يُصاب بداء الدبيلة ويموت بسببه. وهي قرحة تظهر في الظهر ورأسها إلى الداخل فتنفجر في الداخل.
فعن حذيفة قال: كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود وعمار يسوق أو عمار يقود وأنا أسوق به إذ استقبلنا اثنا عشر رجلاً متلثمين قال: هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، قلتُ: يا رسول الله ألا تبعث إلى كل رجل منهم فتقتله؟ فقال: أكره أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه وعسى يكفينيهم الدبيلة، قلنا: وما الدبيلة؟ قال: شهاب من نار يوضع على نياط قلب أحدهم فيقتله) ([3]) .
قال الزمخشري : (معاوية قال أبو بردة: دخلت عليه حين أصابته قرحة فقال: هلم يا ابن أخي فانظر فتحولتُ فإذا هي قد ثبرت فقلتُ: ليس عليك يا أمير المؤمنين بأس: أي : انفتحت ونضجت وسالت مدتها، لأن عاديتها تذهب وتنقطع عند ذلك، وهذا من باب فعلته ففعل يقال: ثبرة الله مثبر أي: هلك وانقطع) ([4]).
واصيب باللقوة كما ذكرت المصادر :
في حلية الأولياء : حَدَّثَنا أبي رحمه الله ...حَدَّثَنا محمد بن إدريس الشافعي قال:ذكروا أن معاوية بن أبي سفيان اعتمر فلما قضى عُمَرته وانصرف بالأبواء فاطلع في بئرها العادية فضربته اللقوة فقال ..أنا اليوم ابن ستين سنة..ثم بكى!فارتفع الناس عنه([5]) .
فإذا كان عمره ستين سنة ساعة إصابته باللقوة، فهذا يعني أنها إصابته في أول ملكه، لأن عمره كان (78سنة) ومات سنة 60هـ وهذا يعني أن اللقوة بقيت فيه ثماني عشرة سنة، من سنة 42هـ بعد سنة واحدة من استلامه الملك،وعلى هذا ربما أنه اعتمر قبل سنة 44هـ ،أما أين أصيب باللقوة؟ ففي الأبواء وفيها قبر آمنة بنت وهب أم النبي (ص) مع أن طريق الحاج لا تمر بها في العادة ( أعني طريق الجادة، وإنما كان النبي (ص) يفضل المرور بها ليزور قبر أمه) وليست ثغراً من ثغور المسلمين حتى يتفقده معاوية، فلماذا كان في الأبواء؟ لا أجد سبباً كافياً إلا وجود قبر آمنة بنت وهب فيها، ( نعم أصبحت الجادة منها فيما بعد، أما في عهد معاوية فلم تكن الجادة).
إذن فإذا صح هذا الاحتمال فماذا تتوقعون نية معاوية؟ وماذا يريد من رفات أو جثة أم النبي (ص)؟
قال احد المحققين : من خلال معرفتي بمعاوية وأبيه وأمه، فأنا أرجح أنه أراد منها ما أراده من جثة سيد الشهداء حمزة! ونحن نعرف أن جثة حمزة أجرى عليها الماء مع حفر القبور ( قبور الشهداء) بحجة أنه يريد ماء لقصر بناه هناك! وضربوا قدمه بالمسوح فثعب دماً، وربما قبر آمنة بنت وهب ليس بجوارها بئر أو ماء نضاح فماذا يكون الحل؟ كيف يستطيع أن يهين هذه الجثة الشريفة كما أهان جثة حمزة؟ الجواب سهل، أن ينبش قبرها ويرميها في بئر عادية قديمة، انتصاراً لخاله وجده وأخيه يوم بدر الذين ألقاهم النبي (ص) في قليب بدر .
إذن فقد ذهب الرجل يستطلع الآبار القديمة ومع أول بئر عادية ينظر فيها ضربه بالله باللقوة فشغله الله بنفسه، وأسرع إلى مكة.. وجرى كلامه هذا في مكة.
وفي تاريخ الإسلام:
(أن معاوية أصابته اللقوة قبل أن يموت، وكان اطلع في بئر عادية بالأبواء لما حج، فأصابته لقوة، يعني بطل نصفه ) اهـ ([6])..
وفي البيان والتبيين -،أشار الى آثار اللقوة..
(ولما سقطت ثَنِيَّتا معاوية لفَّ وجهَه بعمامة..)([7]) .
وفي سير أعلام النبلاء : ( وَقِيْلَ: كَانَ بِهِ اللَّقْوَةُ، بَقِيَ فِيْهَا حَتَّى مَاتَ - رَحِمَهُ اللهُ - !! اهـ بل لا رحمه الله..) ([8]).
من كل ما تقدم يظهر ان المرض احذ معاوية خلال اخر سنتين من عمره اخذا شديدا وبالتالي استغل الامام الحسين عليه السلام هذه الفرصة لكي يكون له تحرك واسع لجمع الشيعة اثناء الحج واللقاء معهم واعطاءهم خارطة عمل متكاملة لما ينتظرهم في المستقبل اضافة الى اشباع الجانب المعرفي لديهم .
- قوله : (ثم ارسل رسلا ..) يعني ان الامام الحسين عليه السلام قبل موسم الحج او اثناء ارسل رسله الى الاقاليم التي يوجد فيها اتباع اهل البيت عليه السلام في اليمن والبصرة والكوفة والمدائن وخراسان كي يكون لهم موعد معهم ومؤتمر كبير في سنة 59 في منى .
- ان اجتماع اكثر من 900 رجل من الصحابة والتابعين من الانصار الذين هم المكون الموالي لأهل البيت عليهم السلام والمدافع عنه دوما والمظلوم من قبل تاريخ بلاطات بني العباس وعدة من المهاجرين ،هذا الاجتماع وان لم يفصح فيه عن اسماء المجتمعين ولا عن انتماءاتهم القبيلة او توزعهم الاقليمي لان ال العباس أرادوا اخفاء دور وبطولات الشيعة عبر التاريخ فلم يشيروا الى شيء من ذلك في مصادرهم ومصادر التاريخ خالية من ذكر مؤتمر منى الا ما ورد في كتب الشيعة اعزهم الله تعالى ...وهؤلاء المجتمعون حتما بايعوا الحسين عليه السلام على النصرة والذوبان للدفاع عنه وعن قضيته الكبرى في تغيير معادلات الاحداث آنذاك وان اختزلهم التاريخ من 900 او الف واكثر الى 70 مقاتلا واتهم من بقى بالخذلان والخيانة في اكبر عملية مصادرة لجهود اتباع قائد في التاريخ واكبر اساءة للشيعة عبر التاريخ بانهم خذلوا امامهم وقتلوه ثم بكوا عليه وهذه الفرية لازالت اليوم تطرح ممن لا حريجة له في الدين ولا تحقيق له في النصوص ولا ذمة له في تقصي الاحداث والوقائع .
- ان قول الامام الحسين عليه السلام : (اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي، ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم؛ فمَنْ أمنتم من الناس ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقّنا..) يدل على ان الامام عليه السلام ق اعطاهم خريطة عمل متكاملة للمستقبل السياسي الذي سيعيشوه، وبين لهم معالم الطريق وكيفية التصرف بحكمة ودراية تجاه الاحداث التي ستقع مستقبلا ..ومن ثم امرهم ان يبلغوا وصاياه وتعليماته الى قبائلهم وامصارهم وهذا يدلل على انهم اتوا من امصار متعددة ومتفرقه واقاليم كلها تدين بالولاء لأهل هذا البيت الطاهر عليه السلام ..وامرهم ايضا ان يدعو الناس الثقاة الى حق اهل البيت عليه السلام في الخلافة وكيف ان معاوية انقلب عسكريا على الشرعية وابتز السلطة ([9])وتقمص قميص ليس اهلا ان يتقمصه .
- جاء في النص اعلاه : (وما ترك شيئاً ممّا أنزله الله فيهم من القرآن إلاّ تلاه وفسّره، ولا شيئاً ممّا قال رسول الله صلى الله عليه وآله في أبيه وأخيه وأمّه وفي نفسه وأهل بيته إلاّ رواه...)،وهذا يدل على طول مدة المؤتمر فلا يستطيع الامام الحسين عليه السلام خلال سويعات عديدة ان يبلغ كل الحاضرين بكل شيء اخبره النبي ص واله بفضائلهم وما انزل القران بفضائل اهل البيت ع وما خصهم به من الفضل والكرامة وهذا يحتاج عدة ايام لتلبيغ المهم من امرهم عليهم السلام ويحتاج كما قلنا الى طوق امني محكم كي لا يخترق من قبل اشياع الدولة الاموية والى تنظيم عالي المستوى كي لا يساء الى قضية المؤتمر او الى الحاضرين .
- وللأسف لم تصل الينا المقررات العامة المهمة لذلك المؤتمر , لان مؤتمرا بهذا الحجم من الحضور لقيادات الشيعة الروحية والعسكرية لابد ان تتمخض عنه توصيات وقرارت هامة بلحاظ انه انعقد في وقت خطير واستثنائي وعلى مراءى ومسمع من حكومة بني امية في مكة ...
ولا نستبعد ابد انه من ضمن مقررات هذا المؤتمر البالغ الاهمية في مسيرة النهضة الحسينية هو اعلان الثورة ضد حكام ال امية والاستعداد الامني واللوجستي العالي المستوى للمرحلة القادمة وكيفية تحقيق معادلات النجاح والانتصار العسكري على اشياع ال امية ، ووضع الخطط الكفيلة بإيقاعاكبر هزائم بالدولة الاموية .
([1]) كتاب سليم بن قيس (تحقيق محمد باقر الانصاري ص321).
([2]) ابن الاثير ، الكامل ج3 ص 119 .
([3]) الهيثمي ،مجمع الزوائد : ج ١ص ١٠٩.
([4]) الزمخشري ،الفائق: ج1 ص162.
([5]) أبو نعيم ،حلية الأولياء: ح430 - ج9 ص 154.
([6]) الذهبي ،تاريخ الإسلام: ج4 ص 315.
([7]) الجاحظ ، البيان والتبيين : ج 1 ص 332.
([8]) الذهبي ،سير أعلام النبلاء :- ج27 ص 124.
([9]) الحسن البصري الفقيه البصري المعروف والذي أبدى رأيه في معاوية - الصحابي - صراحة حيث يقول: أربع خصال كن في معاوية ولو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة:
(انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزوها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة. استخلافه ابنه بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب الطنابير. ادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الولد للفراش وللعاهر الحجر. قتله حجر وأصحابه ويل له من حجر وأصحابه ويل له من حجر وأصحابه تاريخ الطبري 5: 279.. فهذا التابعي يشنع على معاوية أمورا منها أنه انتزى على حكم المسلمين بالقوة والباطل رغم وجود بقية باقية من خيار الصحابة.
وقال في لسان العرب ج14 ص 239:وفي حديث وائل بن حجر : إن هذا انتزى على أرضي فأخذها ، وهو افتعل من النزو . والانتزاء والتنزي أيضا : تسرع الإنسان إلى الشر . وفي الحديث الآخر : انتزى على القضاء فقضى بغير علم .