تحديث
15/09/2016 12:48 مساءا
كيف أثر الوضّاعّين في حركة الوضع وما هي مناهجهم في ذلك ؟
سماحة الشيخ عقيل الحمداني : بسم الله الرحمن الرحيم , في دراسة متأنية لحركة الوضع في التاريخ نجد ان حركة الوضّاعين اتخذت عدة اساليب ومناهج للتعاطي في تاريخٍ ممنهج مقصود يُغير جملة كثيرة وكبيرة من الحقائق التي تبنتها السماء ونطق بها النبي ’ و من جُملة اساليبهم أنهم كانوا يعولون ويعتمدون على قضية القصص .. لابد أن يأتون بقصص فيها حبكة درامية وفيها تشويق وكما قال علماء النفس واثبتوا ان النفوس البشرية دائما تميل الى سماع القصص والى استماع قصص الابطال والخوارق والاساطير .. وربما تتبناها في العقل الباطن وتظهر على سلوكياتها وتصرفاتها وفيما تتبناه من مواقف .
ومن هنا ادخلوا هذه القصص في السيرة لأنهم افرغوا الأمة من تراث النبي ’ كما قُلنا وهو النبي الصادق الذي لا ينطق عن الهوى .. وابعدوا الامة عن تُراث امير المؤمنين × الذي قال عنه النبي ( ان علياً مع الحق والحق مع علي ) ([1]) بالتالي أتوا بتلك القصص التي كانت الاسلوب المعتمد في تغيير جملة من الوقائع التاريخية وإضافة كم هائل من الخرافة والاساطير وبمصطلح اليوم (الأكشن) في واقع السيرة النبوية والتاريخ , ولعلي اقف عند هذا النموذج حيث يصورون ان هنالك رجل مصارع ولعله بطل المصارعة الكوني أي على مستوى الكون .. يأتي الى النبي ’ ذلك الانسان الرقيق وذلك النبي الذي يقول (ما بُعثتُ إلا لأتُمم مكارم الأخلاق) وما ارسلني الله سبحانه وتعالى إلا رحمة .. يدخل في صِراع وفي معركة وفي نزال حَلّبة .. يفتح حَلّبة مع رسول الله ’ لماذا ؟ من اجل ان يوصل له آية معينة !! .. فيقول ابن هشام في سيرته([2]) ( عن وهب بن كيسان قال : قال لي عُبيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حتى إذا كانت الليلة التي اكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها جاءه جبرائيل عليه السلام بأمر الله تعالى ) الآن جبرائيل يأتي الى النبي بأمر الله .
المقدم : نعم سماحة سماحة الشيخ عقيل الحمداني .
سماحة الشيخ عقيل الحمداني : يقول في الرواية (فجاء جبرائيل بأمر الله تعالى , قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الآن الرسول هو يتكلم ( فجاءني جبرائيل وانا نائم فقال لي اقرأ , فقُلت ما اقرأ , قال فغتّني به حتى ظننت أنه الموت ثم ارسلني , قال اقرأ , قُلت ما اقرأ , قال فغتّني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني ولثلاث مرات ) لِعلم المشاهد الكريم ان الغَت كما يقول الزبيدي في تاج العروس ( الغَتّ والغط سواء كأنه أراد عصرني عصراً شديد حتى وجدتُ منه المشقة ) قال في لسان العرب وفي حديث المبعث : فأخذني جبريل فغتني ؛ الغت والغط سواء ، كأنه أراد عصرني عصرا شديدا حتى وجدت منه المشقة ؛ كما يجد من يغمس في الماء قهرا . وغته خنقا يغته غتا : عصر حلقه نفسا ، أو نفسين ، أو أكثر من ذلك ) ([3]). لماذا يتحول جبرائيل ملاك الرحمة ويحول واقع النبي ’ الذي هو واقع الرحمة وواقع بداية البعثة الى حلبة مصارعة حتى انه يعصُر .. قال( فغتني غَتّة حتى ظننتُ انه الموت )ومن حق كل قارئ لهذا الحديث ان يتسائل هل إن الرسالة بالقوة وبالصرعة والاكراه؟!
هذه حالة تشويق للنفوس تميل الى القصص وقضايا (الأكشن )تُعجب الناس على مر الزمان وليس فقط هذا الزمان , كأن آنذاك أعجبتهم هذه القضية كيف أن ملاك الرحمة يتحول الى مصارع من الطراز الاول ويصرع النبي ’ ويضغط عليه حتى يقول ظننتُ انه الموت , انا لا أعلم ما هو السر الذي اراد به واضع هذه القصة .. وهل إرسال الرسل وتبيان الشرائع وتعليم الناس الهداية والقرب من الله سبحانه يحتاج الى عصر الانبياء حتى يصلوا الى لحظة الموت ؟!! لم نسمع بهذا ولم يرد في خاطر احد انه عندما ينزل الوحي يفعل ذلك الشئ .. بل لدينا عشرات الروايات تُثبت بأن كان إذا نزل جبرائيل على النبي ’ كان النبي يمُر في حالة من الراحة لأنه كان تأتيه أوامر من الله سبحانه وتعالى .
المقدم : وتذكر الكتب ايضاً أن جبرائيل × يجلس جِلسة العبد امام الرسول ’ لم يذكر لنا التاريخ ولا الكتب التاريخية غير انه كان يجلس جِلسة العبد .
سماحة الشيخ عقيل الحمداني : وكان جبرئيل × يأتي على هيئة رجل يدعى دحية الكلبي ([4]).وهو رجل يُعرف بجمال الوجه وحُسن الصورة والاريحية, يأتي اليه بهذه الصورة , لذا انا اتصور ان هذه الانواع من الروايات أرادت ان تُسيء الى مقام النبي ’ وأراد ان يكون هناك نوع من انواع الخلل في فهم قضية الوحي وفي كيفية تعاطي النبي ’ مع قضية الوحي ومع الأسف هذه الروايات منتشرة وكثيرة بلا تمحيص وتدقيق .
واقول ان هذه الروايات باتت اليوم كمناهج تُدرس في الجامعات وفي المدارس , الآن الاولاد يقرأون وربما الاولاد فيذهنية المرحلة المتوسطة يقرأون ان جبرائيل عصر النبي ’ عصرة حتى ظن النبي إنه سيموت ويقول له اقرأ .. ويجيبه ما انا بقارئ وكان الأمر من المُسّلمات ولا يعرف حتى من وضع هذه المناهج بأن هذه الامور من صُنع المؤسسة التوراتية والأموية التي ارادت انتهاك قدسية النبي الخاتم ’ وانها وأرادت ان تشوه صورة ملاك الرحمة جبرئيل , أرادت ان تُعطل الغرض الأساسي من بعثة الانبياء الذي قرره القرآن الكريم بانه الله تعالى يبعث الرُسل لرحمة الناس ولتزكية الناس وللارتقاء بالواقع الثقافي والمعرفي نحو افق افضل ونحو عالم أفضل
([1]) الثقات , ابن حبان , ج3 صفحة 69.
([2]) السيرة النبوية , لابن هشام , ج1 ص 155.
([3]) لسان العرب , ابن منظور , ج11 , حرف الغين . دار صادر سنة 2003.
([4]) *هو الصحابي الجليل "دحية بن خليفة الكلبي" ، من الأنصار ، شهد مع النبي ’ غزوة "أحد" وما بعدها . اشتهر "دحية الكلبي" إلى جانب العقل الراجح – بجمال الصورة ، وكان "جبريل" × يأتى في صورته . وكان "دحية الكلبي" سفير رسول الله ’ إلى "هرقل. روى الطبراني أن النبي ’ قال: كان جبريل يأتيني على صورة دحية الكلبي، وكان دحية رجلاً جميلاً. وأما نزول جبرئيل × بصورة دحية فقد كان لمسألة من النبي ’ لله تعالى في ذلك وذلك لأن النبي ’ كان يحب هذا الرجل فكان يتصور له جبرئيل بصورته ليستأنس برؤيته. (رسائل المرتضى ج4ص 25.