تحديث
15/09/2016 10:28 صباحا
بعد أن علم أهل الكوفة بامتناع الإمام عليه السلام عن البيعة ليزيد، وأنّه عليه السلام قد صار إلى مكّة، تقاطرت رسائلهم الكثيرة إليه بلا انقطاع، وقد أبدوا فيها استعدادهم لنُصرته والقيام معه، ودعوه فيها إلى القدوم إليهم، « وتلاقت الرُّسل كلّها عنده، فقرأ الكُتب، وسأل الرُّسل عن الناس... »([1]) .
وقد ذكر المؤرخون عدة أرقام لعدد الكتب التي أرسلها أهل الكوفة إلى الإمام والتي وصلته وهو في مكة:
1. فبعضهم قال: عددها 150 كتاباً وكل كتاب من شخص أو اثنين أو أربعة([2]) .
2. وذكر الطبري أن عددها كان زُهاء 53 كتاباً([3]).
3. وأما البلاذري فقال إنها 50 كتاباً([4]).
4. وأما ابن سعد فذكر أن عدد من كتبوا للإمام 18 ألف شخصا .
ومن بين هذه الاقوال يمكن أن يكون عدد الكتب ـ مع ملاحظة كثرتها ـ على الأقرب أنها 150 كتاباً ورسالة .
إن الذي يلاحظ أن موضوع رسائل أهل العراق إلى الإمام الحسين عليه السلام أمر غير واضح المعالم، ولم يحدثنا التاريخ بصورة دقيقة عن عدد هذه الرسائل وعن أصحابها.
ولدينا نص يرويه بعض المؤرخين لواقعة كربلاء، وخلاصته:
أن بعضاً ممن التحق بالإمام الحسين عليه السلام وهم نافع بن هلال الجملي والعائذي وعمر بن خالد الصيداوي ومولاه، وقد وصف أولئك موضوع الرسائل للإمام الحسين عليه السلام فقالوا في جانب من كلامهم: (يا ابن رسول الله، أما أشراف الناس فقد عظمت رشوتهم وملئت غرائرهم، وما كتبوا إليك إلا ليتخذوك سوقاً ومكسباً وهم غداً عليك إلباً واحداً..)([5]).
أي أنهم سعوا لكي يظهروا بمظهر المعارض للسلطة، فكاتبوا الإمام عليه السلام لكي يفهموا السلطة بأهميتهم، من ناحية أخرى فإنهم كانوا يجارون الناس وتوجهاتهم خوفاً من احتمال انتصار الإمام الحسين عليه السلام وتغير المعادلات السياسية التي كانت مضطربة في ذلك الوقت، وكان هناك أيضاً من يـبغض الجانبين معاً: الحسين والأمويـين، ويريد أن يوقع بينهما مثل الخوارج.
وهناك النفعيّون الذين يغازلون الطرفين معاً، وهم مع كل ريح يميلون، ومن الناس من راسله وهو يريد الخديعة والغدر به، وقد راسله الكثيرون من أهل الكوفة، من عامة الناس بتأثير حمى المراسلة ولغلبة العقل الجمعي عليهم.
ومن غير الكتب التي أرسلت من أمثال هؤلاء هناك كتب أرسلت للإمام من حزبه السري في الكوفة وشيعته المخلصين، والذين كانوا يراسلونه باستمرار، وقد ضمنوا ولاء الناس له ولأهل البيت(ع) وكان هؤلاء على علم مسبق بدوافع الجهات الأخرى في المراسلة، ولذلك فقد أعدوا للأمر عدته، وهيأوا الأجواء المناسبة لحركة مسلم بن عقيل، وحشدوا له المنافقين حوله من الذين سبق وأن راسلوا الإمام الحسين عليه السلام وتعهدوا له بالنصرة كشبث بن ربعي الخارجي وحجار بن أبجر النصراني الذي دخل الإسلام على يد ابن زياد وغيرهم.
إذن كان الشيعة الموالون للإمام الحسين عليه السلام في الكوفة حزباً سرياً، وكان يتعاطف معه الكثيرون من أهل الكوفة وخاصة المستضعفون منهم، وقد تمكن أنصار الإمام عليه السلام من إحداث تيار من المساندة له عليه السلام قبل دخول ابن زياد إلى الكوفة، ذلك الدخول التي قلب موازين الصراع بشرائه للإشراف ووجهاء القوم، واستعماله العنف والإرهاب والخديعة وأخذه المبادرة بالهجوم على المعارضة.
ومن يراجع نصوص الرسائل التي ارسلت يجد أن هناك تياراً ووجوداً قوياً للمنافقين والنفعيـين في مسألة الرسائل، حيث أن المنافقين قد ركبوا موجة الرسائل التي بعث بها أهل الكوفة إلى الإمام(ع)، فشاركوا فيها، أو كتبوا إليه مستقلين عن غيرهم يدعونه أيضاً إلى القدوم عليهم، مدعين الطاعة له والاستعداد لنصرته، وبذل المال والنفس والغالي والرخيص في سبيل حمايته ونصرته.
فقد روى السيد ابن طاووس(ره) أن الإمام عليه السلام بعد أن قرأ الكتاب الذي حمله إليه هاني بن هاني وسعيد الحنفي، سألهما قائلاً: خبراني من اجتمع على هذا الكتاب الذي كتب به إليّ معكما؟…
فقالا: يا ابن رسول الله، شبث بن ربعي، وحجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث، ويزيد بن رويم، وعروة بن قيس، وعمرو بن الحجاج، ومحمد بن عمير بن عطارد.. )([6]) .
هذا وقد أثبت نفس المعنى الشيخ المفيد(ره) لكنه خالف في أن هؤلاء المنافقين قد كتبوا للإمام عليه السلام رسالة مستقلة عن رسائل غيرهم، قال: ثم كتب شبث بن ربعي وحجار بن أبجرويزيد بن الحارث بن رويم وعروة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمرو التيمي: أما بعد، فقد اخضر الجناب، وأينعت الثمار فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة([7]) .
فهذا يكشف عن أن الرسائل التي وصلت للإمام عليه السلام لم تنحصر في خصوص الرسائل الواردة من قبل شيعته، بل كانت تتضمن رسائل النفعيـين وأصحاب القلوب المريضة والمنافقين.
ومن خلال ما ذكرنا يتضح أيضاً براءة الشيعة مما ينسب إليهم من تهمة المشاركة في قتل المولى الإمام الحسين عليه السلام أو التخاذل عنه، حيث يتضح أن شيعته الذين كاتبوه قد رموا في المعتقلات ومنعوا من الوصول إليه، وقد كانت حركاتهم ترصد، بل حتى أنفاسهم كانت مرصودة.
وإنما الذين تخاذلوا عنه وخذلوه هم هؤلاء الذين نصطلح عليهم بالنفعيين والمرتزقة، وأصحاب النفوس المريضة، والمنافقين، واتباع السقيفة فهم الذين كتبوا شيئاً، وأقدموا على أمر آخر لما رأوا أن ذلك يتنافى ومصالحهم .كما يقول الشيخ محمد العبيدان القطيفي في مقال له على الشبكة العنكبوتية .
([1]) الشيخ المفيد ،الإرشاد: ٢٠٤.
([2]) ابن اعثم الكوفي ، كتاب الفتوح ج 5 ص ۲۹ . الشيخ المفيد، الإرشاد ج ۲ ص ۳۸ .
([3]) الطبري، تاريخ الأمم و الملوك ج 4 ص 262 .
([4]) البلاذري، أنساب الأشراف ج ۳ ص 370 .
([5]) ابن الاثير ،الكامل في التاريخ ، ج 2 ص 553.
([6]) ابن طاووس ،اللهوف ص 107.
([7]) المفيد ،الإرشاد ص 203.