تحديث
15/09/2016 10:23 صباحا
قد دخل عليه السلام مكّة ليلة الجمعة، لثلاث مضين من شعبان ([1])، ومكث فيها أربعة أشهر وخمسة أيّام. اي مايقرب من 125 يوما، وهي الايام المكية التي قضاها الامام الحسين عليه السلام في مكة المكرمة وقد حملت في طياتها الكثير من الامور التي ساعدت على التمهيد لثورة ابي عبد الله عليه السلام والاتصال بالقبائل وارسال الرسل الى الاقاليم والارتباط بالقيادات العسكرية ..وللأسف الايام المكية من عمر النهضة الحسينية مجهولة ولم تدرس تفاصيلها والى الادوار التي تبناها الامام الحسين عليه السلام فيها ...وكيف التقى بالوفود ورؤساء القبائل وكيف نشر سفرائه ...
وكيف استقبلت الجماهير وتفاعلت مع الامام الحسين عليه السلام في مكة
قال ابن كثير: « و عكف الناس بمكّة يفِدون إليه، ويجلسون حواليه،
ويستمعون كلامه، وينتفعون بما يسمعون منه، ويضبطون ما يروون عنه » ([2]).
ولنا على هذا النص عدة تعليقات :
منها – النص يظهر ان الامام الحسين عليه السلام يتمتع بشعبية كبيرة فهو وفد الى مكة ولم يأته شيعته ،فقط بل ان الناس يأتونه افواجا وحتما كان جزء ممن يأتيه طوال هذه ال 125 يوم التي قضاها في مكة الرجال من المقاتلة ،فقد انضموا الى صف الثوار الذين ثاروا معه واصبحوا من جنود كربلاء الفداء وانطلقوا معه الى كربلاء الشهادة لكن التاريخ اخفى ذلك كثيرا .
منها – ان جلوس الناس حوالي الحسين عليه السلام وفق الظروف الامنية التي كانت في مكة تجعل الذين يردون الى الامام الحسين عليه السلام ،ويجلسون عنده صفوة الناس لان الوضع كان خطيرا وعوام الناس تتجنب ان تفتح على نفسها عيون ال امية وبطشهم ..فالصفوة من رجالات المجتمع هم من كان يستفيد من مجالسة الامام الحسين عليه السلام والانتفاع من علومه ..
منها – ان جزء من مجالس الامام الحسين عليه السلام ولقاءاته اليومية التي خصصها للناس كانت تحمل طابعا علميا روائيا فهم يسمعون منه الاحاديث ويضبطونها كما تقول الرواية وبالتالي ساهم الامام الحسين عليه السلام في اعادة احياء سنة النبي ص واله التي حاول ال امية طمسها ..ونشر احاديث النبي الاكرم التي لم يجرا على نشرها احد خوفا من بطش ال امية اذن يتضح مما تقدم ان واحدة من مميزات الايام المكية التي قضاها الامام الحسين عليه السلام في مكة ايام نهضته المباركة هي السمة العلمية والمعرفية والارتقاء بواقع المجتمع نحو افق علمي افضل واجمل .
وهنالك نصوص اخرى لكبار علماءنا اثبتت ان اهل مكة ايضا تعاطوا بشكل كبير مع قضية الامام الحسين عليه السلام وبدؤا يأتون اليه ويستفيدون من علومه الشريفة التي هي علوم الاسلام الاصيلة
قال الشيخ المفيد (قدس سره): « فأقبل أهلها يختلفون إليه، ومَن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق... » ([3]).
بل ان علائم فرح اهل مكة واضحة المعالم وذكرها اهل التاريخ وهم يرون ان ريحانة النبي ص واله حل بين اظهرهم:
ففي الفتوح :( أنّ أهل مكّة فرحوا به عليه السلام فرحاً شديداً، وجعلوا يختلفون إليه بُكرة وعشيّاً...) ([4]).
فالنص يشير الى حصول حالة فرح شديد وغير مسبوق من اهل مكة حينما علموا ان الامام الحسين عليه السلام سيمكث بينهم بضعة اشهر ..وهذه الحالة من توجه اهل مكة نحو الامام الحسين عليه السلام والالتفاف حوله والاختلاف الي و الانتهال من علومه الشريفة لم يسجلها التاريخ من قبل. فكم مرة اتى الحسين عليه السلام الى مكة حاجا ومعتمرا لكنه لم يلق كل هذا الترحيب والتفاف من قبل جمهور المكيين والاختلاف الى مجلسه العلمي والسياسي ..وهذا لابد ان يدرس دراسة متأنية وواضحة من قبل اهل الاختصاص والباحثين لكشف اسباب انهيال اهل مكة على مجلس الحسين عليه السلام وفرحهم به فرحا شديدا غير مسبوق ..فلابد ان تكون هنالك دوافع دفعتهم للتصرف هكذا مع ريحانة النبي ص واله وهنالك اسباب دعتهم الى الاحتفاء الكبير بريحانة النبي ص واله .. يا ترى ماهي الاسباب التي حاول كتاب البلاطات العباسية ان يخفوها عنا ..؟ ولماذا همش دور اهل مكة في حرب كربلاء ولماذا لم يذكر اسماء اهل مكة الذين دافعوا عن الحسين عليه السلام واستشهدوا دونه ..؟ انها مؤامرة كبرى على تاريخ كربلاء تبنته بلاطات ال امية وال العباس بتغييبها الكثير من احداث وقعة الطف وما قبلها ..
بل ونجد ان هنالك مؤرخ اخر اتى بنص يثبت ان هنالك طوائف ليسوا من اهل مكة كانوا يفدون على الامام الحسين عليه السلام خلال الايام المكية التي قضاها في مكة قبل شهادتهفيختلفون اليه ويأتون ويلتقون به :
قال ابن الصباغ: « فأقبل الحسين حتى دخل مكّة المشرّفة ونزل بها، وأهلها يختلفون إليه ويأتونه، وكذلك مَن بها من المجاورين والحُجَّاج والمعتمرين من سائر أهل الآفاق »([5]).
والنص واضح الدلالة على ان المعتمرين والحجاج من سائر الافاق والاقاليم كان يفدون على الامام الحسين عليه السلام يومها ومن هنا نعرف اهمية هذه الايام ،وكيف كان الامام الحسين عليه السلام ينشر افكار الاسلام الاصيل بينهم فيبلغونها لأهلهم وقبائلهم عندما يعودون وكيف كان يصطفي منهم رجالا عرفوا بالثقة والشجاعة فينصرونه يوم كربلاء الدموي .
يقول صاحب كتاب الركب الحسيني :
لكنَّنا نرجّح أنّ الذين احتفوا بالإمام الحسين عليه السلام وكانوا يفِدون إليه، ويجلسون حواليه، ويستمعون كلامه، وينتفعون بما يسمعون منه، ويضبطون ما يروون عنه، هم أهل الأقطار الأُخرى من المعتمرين والحجَّاج المتواجدين آنذاك في مكّة، وفيهم من المكِّيين القليل، ممَّن ليسوا من بطون قريش، ممَّن سكن مكّة بعد الفتح وبعد انتشار الإسلام في الأرض؛ ذلك لأنّ قريشاً توارثت العداء لعليّ وآل عليّ عليهم السلام ([6])..
([1]) الطبرسي، إعلام الورى: ٢٢٣. البلاذري ،أنساب الأشراف، ٣ .:١٢٩٧
([2]) ابن كثير ،البداية والنهاية: ٨، ١٥٣.
([3]) المفيد ،الإرشاد: ٢٢٣.
([4]) ابن الفتوح: ج ٥ص ٢٦.الطبرسي، إعلام الورى: ٢٢٣.
([5]) ابن صباغ المالكي ،الفصول المهمَّة: ١٨٣.
([6]) الركب الحسيني من المدينة الى المدينة ج2 ص 24.