تحديث
14/10/2020 9:43 مساءا
السُنُح من الاماكن المهمة التي عاشها الخليفة الاول في اخطر لحظات حياته, وواقع الامر اننا لسنا في صدد ان نعلم الخليفة شيئا او نشكل على بعض تصرفاته اوسلوكياته بلا دليل لكن هنالك عشرات التساؤلات تعترض دائما عند من يدرس التاريخ دراسة واعية متأنية او من يحقق في طياته.
السُنُح وما أدراك ما السُنُح الذي يقول عنه العلامة الطبري في تاريخه([1]) وابن هشام في سيرته([2]):
قال: >توفي رسول الله ’ نصف النهار يوم الاثنين وابو بكر غائب في السُنُح وعمر حاضر<.العلامة الطبري الذي هو من الطراز الاول من مؤرخي مدرسة الصحابة يثبت بان الخليفة الاول عند شهادة النبي ’ ذهب الى هذا المكان>السُنُح<وإذا ما أردنا ان نتعرف الى السُنُح علينا ان نقف عند ثلاث نقاط مهمة وباختصار شديد:
النقطة الاولى: اين يقع هذا المكان؟ الذي لعب دورا مهما في الانقلاب العسكري بعد النبي ’,الذي كان ابو بكر من ضمن قيادات الانقلاب العسكري يومها.. هنالك عدة اراء في تعيين المكان الذي يأوي اليه الخليفة الاول كثيرا:
الرأي الاول: انها على بعد ميل من منزل النبي ’ وتبناه في كتابه معجم البلدان العلامة ياقوت الحموي([3]): >هو احدى محال المدينة كان منزل ابا بكر حين تزوج مليكة بينها وبين منزل النبي ’ ميل<.
اما الرأي الثاني: وتبعد 3 ميل عن المسجد النبوي ويتبناه العلامة الصالحي في كتابة السبل والرشاد([4]): قال >عاليةٌ من عوالي المدينة وأدنى العوالي كما يقول ياقوت الحموي يبعد بثلاثة او اربعة اميال كما نص البخاري في صحيحه< اذن هنالك رأيان، رأي يقول تبعد عن المدينة مسافة ميل واحد ورأي يقول تبعد عن المدينة ثلاثة او اربعة اميال تقريبا *>الميل = 1600متر وبالتالي اذا كانت المسافة 3 اميال يعني تقريبا 4800 متر وان كانت 4 اميال يساوي 6400متر< وهذه المسافة القصيرة توفر للخليفة الاول ذهاب سريع وعودة سريعة بين السُنُح والمدينة المنورة ولكن الشيء الذي يمكن للمتابع ان يقف عنده طويلا وهو مما يدخل الاسى على القلب رجل يعتبره انصاره من اتباع مدرسة الخلفاء الرجل الثاني في الاسلام بعد امير المؤمنين× وشيخ من شيوخ قريش وله مكانه اجتماعية لماذا في اخر لحظات شهادة رسول الله ’ ورحيل النبي عن هذه الدنيا يختفي فجأة من المدينة ويذهب الى السُنُح وهذا الامر ممايدخل الحزن والاسى على قلوب محبي النبي ’ والان وكما معروف حتى في الدول الحديثة عندما يكون هنالك احداث خطيرة في الدولة مثل رحيل ملك او وفاة رئيس او سلطان تجد ان القادة والشخصيات البارزة في المجتمع تبقى لمدة ثلاث ايام على الاقل للحداد من اجل دفن هذه الشخصية العظيمة التي خدمت البلاد والعباد وساهمت في الارتقاء في الحضارة والوعي لتلك الدولة، فكل الشخصيات السياسية لابد ان تكون حاضرة لحظات وفاة عظيم الامة فلماذا اختفى الخليفة الاول في هذه اللحظات العصيبة التي تمر بها الامة الاسلامية فجأة وذهب مباشرة الى السُنُح؟ بأماكننا ان نتساءل هل ان السنح عبارة عن مكان فيه نوع من انواع الاقتصاديات التي تنفع في دعم الانقلاب او انه كان مقرا للكتائب العسكرية التي لعبت دورا بالانقلاب بعد رحيل النبي ’؟
هنالك نص يذكره العلامة ابن سعد في الطبقات يعرف لنا ما هو السُنُح؟ وما هو دوره في الانقلاب العسكري ولماذا يتردد عليه الاول كثيرا وذهب اليه ايام شهادة النبي ’ النص يقول: >ان ابا بكر كان له بيت مال بالسنح ليس يحرسه أحد فقيل له الا تجعل عليه من يحرسه؟ قال عليه قفلٌ<([5]).
العلامة ابن سعد يجيب على التساؤلات لماذا الخليفة الاول يكثر من الذهاب الى السُنُح يقول ان له بيت مال في السنح عندما تجتمع رؤوس الاموال فمن المؤكد أن يرافق وجود القوة الاقتصاديةـ لمن يفكر بانقلاب عسكري على دولة النبوة الخاتمة ـ وجود قوة عسكرية سواء بالإعانة او بالامداد او التسليح, فالسُنُح هي خلية ازمة استخدمها الخليفة الاول عندما ادرك بثاقب بصره ـ وعندنا رواية نقلها العلامة السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء يقول كان الخليفة الاول يرى جبرائيل ـ علم بمشاكل ستعصف بالواقع الاسلامي وبالتالي يجب ان يذهب الى خلية الازمة والتي هي عبارة عن اموال ونقرا في خارطتها الجغرافية انها عبارة عن سهول واشجار كثيفة بأمكان ان يوجد بها جيش او بعض جيش اسامة الذين هم عسكروا في الجرف كما قلنا الذي يبعد ثلاثة اميال عن المدينة وان ينتقلوا مباشرة الى السُنُح.
فالسُنُح هي خلية ازمة استعملها الخليفة الاول من اجل ان يمرر مشروع الانقلاب باكمله، وسنطرح بعض القضايا المهمة:
اولا: وكما تعلمون ان النبي ’ بعث جيش اسامة وعبأ فيه الاول والثاني ولكنهم وبالأخص الاول قطع ورجع من الجرف الى النبي ’ بدعوى انه حريص على حياة النبي ’ وحريص على مرض النبي ولا يستطيع ان يفارق الحبيب المصطفى ’ هكذا ورد في التاريخ اذن لماذا ذهب في آخر لحظات حياة النبي ’؟ وتركه لوحده يعاني الموت؟ ويفترض ان الامة ان تودع نبيها وداع يليق به فلماذا تركه وذهب الى السنح؟
ثانيا: الروايات التاريخية تذكر بأن زوجة الخليفة الاول تسكن في هذه المنطقة فلماذا يسكن زوجته في مكان خلية الازمة هذه التي هي مقر لعمليات اقتصادية وعسكرية؟ ولكن الغريب في الامر ان عمر بن الخطاب كما ينقل تاريخ الطبري([6]) يقول: >لا اسمع رجلا يقول مات رسول الله الا ضربته بسيفي<. ان هذا السلوك من عمر بن الخطاب في ضرب عنق كل من قال ان رسول الله ’ مات ما هو الا محاولة تأخير اعلان موت النبي ’ ليتسنى لابي بكر الحضور من السُنُح الى المدينة المنورة، بسرعة وبالتوقيت المناسب من اجل ان تتم خلية ازمة الخلافة عملها ولم نذهب نحن فقط لهذا الرائ, بل اشار لقريب منه ابن ابي الحديد ايضا في كتاب شرح النهج: >ان عمر لما علم ان رسول الله قد مات خاف في الوقوع في فتنة الامامة وتغلب اقوام عليها اما من الانصار او غيرهم فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس واوقع تلك الشبهة في قلوبهم حراسة للدين والدول الى ان جاء ابو بكر من السُنُح<([7]).
البحث مستل من كتابنا التاريخ في دائرة الضوء ج1 ص 107-112 .طبع دار المحجة البيضاء في بيروت .
([1]) تاريخ الرسل والملوك، ج2، ص442.
([2]) السيرة النبوية، ابن هشام، ج4 ص331.
([3]) معجم البلدان، ياقوت الحموي، ج3، ص265.
([4]) سبل الهدى والرشاد، الصالحي الشامي، ج12، ص246.
([5]) انظر: ابن سعد في الطبقات ج3 ص213 وكذلك كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علي بن حسام الدين المتقي الهندي ج5, ص841 مؤسسة الرسالة ـ بيروت 1989 م.
([6]) تاريخ الطبري، ج3، ص201.
([7]) شرح نهج البلاغة, ج2، ص37، طبعة محمد ابو الفضل ابراهيم.