تحديث
14/03/2020 11:36 صباحا
خارطة معركة كربلاء
بات من المهم جدا معرفة طبيعة الاستعدادات التي اجراها الامام الحسين ع في معركته الكبرى في كربلاء وبالأخص ما اجراه على الارض من خطط ساهمت في تحقيق نسبة عالية من الانتصار العسكري وايقاع اكبر عدد من الخسائر بالجيش الاموي ـ الشامي بكربلاء. ومن تلك الاجراءات المهمة حفر الخندق العاشورائي، والذي اشار اليه صاحب كتاب -مقتل الحسين ع العلامة الخوارزمي- وابن الأعثم الكوفي في-الفتوح-، قالا([1]): (فلما آيس الحسين ع من القوم، وعلم أنهم مقاتلوه، قال لأصحابه: قوموا فاحفروا لنا حفيرة، شبه الخندق حول معسكرنا، وأججوا فيها ناراً، حتى يكون قتال هؤلاء القوم من وجه واحد، فإنهم لو قاتلونا وشغلنا بحربهم لضاعت الحرم!) يعني أساس حفر الخندق هو من باب القضايا اللوجستية التي تحمي مخيم أبي عبد الله ع، من لخلف، فأساس وضع الخندق العاشورائي هو لحماية المخيم من الخلف، فقاموا من كل ناحية، وفي نص ابن الأعثم: فقام القوم، لاحظ لم يقل سبعين، من كل ناحية، فتعاونوا واحتفروا الحفيرة، ثم جمعوا الشوك والحطب، فألقوه في الحفيرة، وأججوا فيها النار! هذا الشوك والحطب عندما أججوه كان هذا الفعل في ليلة العاشر، والله أعلم بنوع النباتات المستخدمة بحيث يبقى هذا النبات او الحطب متقداً إلى ظهر يوم عاشوراء، أو أن نحتمل أن هناك كمية إضافية من الحطب بحيث ترمى في ذلك الخندق ويبقى مشتعلاً إلى ما بعد ظهر يوم عاشوراء.
في (الوثاق الرسمية)لثورة الحسين ع للسيد القزويني: أمر أصحابه أن يحفروا خندقاً من وراء البيوت، من وراء الخيام، ويضعوا فيه الحطب، ويضرموا فيه النار في الغداة([2])، يعني هذا نص آخر يقول: ليس في الليل، بل في الصباح، ولهذا قلنا أن هناك تعدد، في الصباح أضرموا النار، وفي النهار أضرموا النار، لكي يحموا هذه الجبهة الجنوبية من معسكر أبي عبد الله ع.
إذن الخندق العاشورائي حقيقة موجودة، تبناها الإمام الحسين ع، لكن قلنا هنا ملاحظات مثلاً الخندق الذي حفره النبي ’ في معركة الخندق، هذا الخندق طوله ما يقرب من 2700 متراً، احتاجوا لحفره 30 يوماً، بمعدل 700 صحابي، حفروا لمدة 30 يوماً، أنتجوا لنا خندقاً طوله 2700 متراً. وحسب نظرية صاحب كتاب >معالي السبطين< أن هناك 250 خيمة للحسين ع نصبت في ارض كربلاء والتي نقلت معه، وبين كل خيمة وخيمة هناك 4 أمتار، أي ان طول هذا الخندق خلف الخيام ما يقرب من 1000 متر اي كيلو متراً واحداً، فإذا احتجنا لحفر خندق بمسافة 2700 مترا إلى 700 شخص يعملون لمدة 30 يوماً حتى يكملوه، فإذا كنا نريد أن نحفر مسافة ألف متر فنحتاج إلى 350 شخصاً يحفرون لمدة شهر، شهر كامل حتى ينتجوا خندق عرضه 5 أمتار، وعمقه 3 أمتار ونصف، مثل خندق النبي ’، لكي يمنع الخيل من العبور، بعرض أكثر من خمسة إلى ستة أمتار مع وجود النار الملتهبة .. فإذا أردنا أن نعمله في ليلة واحدة فلابد أن عدد الأصحاب أكبر، والجهد مضاعف، وأنا لا أتصور أن الحسين ع يتعب جيشه في ليلة قتال هائلة، ويتعبهم وفيما بعد عندهم قتال مع العدو، فأنا أعقد والاحتمال الأكبر أن الخندق محفور قبل هذا الوقت. على كل حال، فالخندق هو وجود من أجل أن يحافظ على القوم.
هذا الخندق العاشورائي الذي حفره الإمام الحسين ع، تحت رقم 3 وهو على شكل هلال تقريباً وبطول كيلو متراً أو 950 متراً، وهذه خيام آل محمد، وهي باتجاه جنوب الكوفة، وهذا الجزء الجنوبي لكربلاء، وهذا شمال كربلاء باتجاه مدينة المسيب، وهذا نهر الفرات، وهذه الخريطة مأخوذة من دراسات انكليزية حول واقعة كربلاء، وهي طبعاً تتماشى وبفضل الله هذا ما وصلنا إليه وهذا الجسر على فرع نهر العلقمي الذي قلنا عنه باتجاه ناحية النيل الذي تأتي منه الكتائب ويصلون إلى الفرات. موجودة وتوجد اشارة الى هذا الطريق الذي يؤدي إلى الكوفة ثم إلى الشام. وهذا بئر العباس الذي حفره ووجده العلامة تكسيرا من علماء القرن السابع عشر الميلادي، وهذا هو جيش الأعداء بأجمعه، هذه الغاضريات.
الإمام الحسين ع عندما حفر الخندق العاشورائي لحماية المخيم، سن سنة عسكرية حسنة، وهذا الخندق لا ننسى أنه فيما بعد تحول إلى ترتيب أو من التراتيب العسكرية، ليس فقط الحسين ع استخدمه، فنجد مثلاً الحرب بين عبد الرحمن بن الأشعث وابن الحجاج بن يوسف الثقفي، سنة 78، استخدموا خندقاً، إذ خندق على عسكره خندق وجعل له أبواب، فكان يهجم ثم عندما يضغطون عليه يرجع إلى الخندق ويقفله عليه! لاحظ، وأيضاً خاقان ملك الخزر عندما دخل معه ابن عبد الملك في حرب كبيرة، يقول: اضطر ابن عبد الملك أن يحيط نفسه بخندق كبير.
أيضاً خالد بن عبد الله عندما سار إلى الأزارقة أيضاً عمل لنفسه خندقاً وقاتلهم وانتصر، وبقي لأربعة أشهر هو متخندق بهذا الخندق، إذن الخندق فيه جملة من الإجراءات الدفاعية المميزة، يعني بالإمكان أن تضاف إلى هذه المسألة.
فعندما حفر الخندق العاشورائي، الإمام ع ضمن الجهة الجنوبية أن لا يصل إليها أحد، نحن قلنا عندما قلنا أن خيمة الحسين ع متقدمة وخيمة العباس متقدمة، هذا إجراء نبوية استفاد منه الإمام الحسين عمن النبي ’، ففي -أسد الغابة- ج2، ص461 عن عائشة قالت: إنها كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق، تقول: وكان رسول الله ’ وأصحابه حين خرجوا إلى الخندق قد رفعوا الذراري والنساء في الحصون، مخافة عليهم من العدو، يعني معركة الخندق النبي ’ أبعد النساء والأطفال لكي لا يروا المعركة، لكي لا يرعبوا بذلك الخوف.
وهنا بحسب هذه الخارطة نجد أن مخيم الحسين ع كما ذكرها العلامة السيد حسن الصدر والعلامة الطباطبائي عندما أشاروا أنه يبتعد أكثر من 2 كيلو متر عن أرض بين الحرمين، أي الحسين ع أبعد عياله ونساءه وحريمه عن هذه المعركة، وقدم خيمة العباس ع قائد الجند، وخيمة الأصحاب وخيمة الحسين ع، هذه متقدمة في وسط المعركة، هذه تكون قريبة على منطقة بين الحرمين الشريفين، لا إشكال في ذلك، وفيما بعد هذه خيمة الحسين ع، فلا إشكال أنه تأتي زينب مع بعض بني هاشم إلى هذا المكان، ثم تخرج من خيمة الحسين ع القريبة على مكان المخيم الموجود الآن، وتخرج إلى التل الزينبي، وتنعى الحسين ع ثم تعود، لا إشكال في ذلك. إذن هذه الخارطة التي رسمت، بالإمكان أن تقربنا إلى استراتيجيات المعصوم ع، وكيف جعل كتيبة العباس × بقرب الجسر، ولهذا نرى أنهم أول ما يعبر الشيعة الجسر يركضون باتجاه الحسين ع، فأسست بما يسمى ركضة طويريج المباركة منذ ذلك الزمان وهذا ما نحتمله كاحتمال تاريخي، وإن لم تكن تسمى بهذا الاسم حينها. أضف إلى ذلك عندما نقول أن هذا الخندق الذي حفره الإمام الحسين ع، طبعاً لهذا الخندق أبواب داخلة إلى المخيم الشريف، من أجل أن يدخلوا فيه، لعله يحتاجون في بعض الأماكن قبل أن يضعوا الشوك مثلاً والحطب، أن يدخلوا، فلا إشكال في ذلك، لكن على العوم استطاع أن يحافظ على الجهة الجنوبية لمعسكر أبي عبد الله الحسين ع، وأن يوصل الكثير من القضايا.
ونلاحظ ايضا نزول جيش الشام بمحاذاة نهر الفرات وهذا النص الذي ذكره الإمام الصادق في يوم التاسع هو الذي غير المعادلة، وبنزول جيش الشام اقتطع الفرات نهائياً عن آل محمد، وبدأت مأساة العطش ورحلة العطش المؤلمة التي عانى منها الحسين واخيه العباس وأهل البيت أجمعين([3]).
([1]) الخوارزمي، مقتل الحسين ع، ج1، ص248، وابن الأعثم الكوفي، -الفتوح- ج5، ص96.
([2]) القزويني، -الوثاق الرسمية- لثورة الحسين ع ص140.
([3]) للتفصيل اكثر راجع كتابنا على طريق كربلاء سيرة وتاريخ الذي هو سلسلة بحوث تاريخية حول وقعة كربلاء وتحقيقات علمية حول نهضة الطف وستطبع قريبا ب3 اجزاء بالاشتراك مع الاستاذ محمد العوادي .