تحديث
27/12/2018 9:16 صباحا
العلامة بن ابي الحديد المعتزلي في كتابه شرح نهج البلاغة كعادته يأتي بالغث والسمين وكما هو مذهبه وواقعه في الاعتزال، ويحاول في بعض الاحيان ان يُسيء الى الشخصيات العملاقة التي تركت اكبر الاثر في تاريخ الاسلام، وينقل لنا رواية عن المدائني في كتابه شرح نهج البلاغة، هذه الرواية تؤرخ لبدايات حياة مسلم بن عقيل- عليه السلام -:
يقول([1]) وروى المدائني قال، قال معاوية لعقيل بن ابي طالب: هل من حاجة فأقضيها لك. قال: نعم، جارية عرضت علي وابى اصحابها ان يبيعوها الا بأربعين الف درهم. اي انه يصف حوار بين عقيل بن ابي طالب ومعاوية.
فاحب معاوية ان يمازحه وقال: وما تصنع بجارية قيمتها اربعون الفا وانت اعمى، تجتزأ بجارية قيمته خمسون درهما. قال: ارجوا ان أطأها فتلد لي غلاما اذا اغضبته يضرب عنقك بالسيف.
هكذا عقيل بن ابي طالب الذي اشتهر بجوابه الحاضر وبدقة اجوبته التي قد تلقم الاخرين حجرا، ومنهم معاوية.
فضحك معاوية قائلا: مازحناك يا ابا يزيد وامر فابتيعت له الجارية التي اولد منها مسلما.
المدائني هنا يحاول ان تكون هذه الجارية الاموية اما لمسلم- عليه السلام -.
فلما اتت على مسلم ثماني عشرة سنة وقد مات ابوه عقيل، قال لمعاوية: يا امير المؤمنين ان لي ارضا بالمدينة واني اعطيت بها مائة الف وقد احببت ان ابيعك اياها فادفع لي ثمنها، فامر معاوية بقبض الارض ودفع الثمن اليه.
اي ان الراوي يحاول ان يصور لنا قضية وهي ان مسلم بن عقيل- عليه السلام - يترك ديار علي وحمزة والحسين والسجاد^ والمدينة ويذهب للشام.. هذا الكلام في سنة 60 للهجرة.. اي الى الان يحاول المدائني ان ينسج هذه القصة الاسطورية التي سنقف عندها وكيف تسئ لآل محمد.
يقول فبلغ ذلك الحسين - عليه السلام - فكتب الى معاوية: أما بعد فإنك غررت غلاما من بني هاشم.. ركز على هذا المطلب إنك غررت غلاما من بني هاشم. فابتعت منه ارض لا يملكها فاقبض من الغلام ما دفعت اليه واردد لنا ارضنا.
فبعث معاوية فاخبره ذلك واقرأه كتاب الحسين وقال اردد علينا مالنا وخذ ارضك فإنك بعت ما لا تمتلك.. الى ان يقول ثم كتب الحسين الى معاوية: إن رددتم الينا الارض ابيتم يا آل سفيان الا كرما.
طبعا المدائني لا يوثق بروايته ابدا لعدة اعتبارات:
اولا: العلامة بن عدي في كتابه الكامل في الضعفاء، هو أحد أهم كتب مدرسة الصحابة في الجرح والتعديل وعلم الرجال، ألّفه الحافظ أبو أحمد بن عدي الجرجاني المشهور بابن عدي، وهو كتاب ضخم حاول فيه المؤلف أن يتتبع ويستوعب أسماء جميع رواة الحديث الذين تكلّم فيهم أئمة الجرح والتعديل بالتضعيف، وذكر في ترجمة كل راوٍ ما استنكره عليه العلماء من الأحاديث أو ما عدّوه غريباً أو منكراً.
يُعد كتاب الكامل لابن عدي من أوسع الكتب المصنّفة في الضعفاء..حيث أنه قد فاق غيره من الكتب في هذا الموضوع ككتاب المجروحين لابن حبان، وكتاب الضعفاء الكبير للعقيلي..في كتابه الكامل في الضعفاء([2]) قال: (المدائني ضعيف)، يعني الروايات التي تصدر عن المدائني ضعيفة لايعول عليها، اضف الى ذلك ان المدائني على الرغم من ضعفه كان أموي الهوى، بحيث كانت لديه نزعة اموية في العقيدة، في التقمص، في السلوكيات وفي الميل، بحيث ان صاحب معجم الادباء ياقوت الحموي ([3]) قال: كان علي بن عبد الله المدائني البغدادي مولى سمرة بن حبيب بن عبد شمس.. يعني يدين بالولاء لآل عبد شمس آل امية. أي ولاء عقلي، عقائدي، ديني، تاريخي، مذهبي، ما شئت فعبراي كل ميوله كانت لآل امية.
ثانيا: اضف الى ذلك ان روايته كما يذكرها العلامة ابن ابي الحديد قال وروى المدائني قال: قال معاوية. الرواية رفع منها اسماء الرواة، .والمحصلة ان طرح رجال الحديث مما يحط من قيمته لما فيه من الجهالة بمعرفة أحوال أولئك المتروكين والتدليس الشائن.
ثالثا: الرواية ارادت ان تسئ الى آل محمد بعدة امور منها:
1. تشكك في تاريخ ولادة مسلم ابن عقيل- عليه السلام -، لان مع الاسف الكثير من علماء مدرسة الصحابة وبعض كتّابنا عندما يأتي لتاريخ ولادة مسلم يقول بانه ولد في سنة 22 للهجرة.
لكن لدينا نصوص اخرى تنفي هذا الامر، منها النص الذي ذكره العلامة الثقة الثبت بن شهر اشوب في كتابه المناقب.
يقول في يوم معركة صفين سنة 37 للهجرة جعل امير المؤمنين - عليه السلام - على ميمنة الجيش الحسن والحسين ‘ وعبد الله بن جعفر ومسلم بن عقيل- عليه السلام - وهذا مانقلناه سابقا وذكرنا وجه الاستدلال به.
نص اخر يذكره العلامة الواقدي ويثبت ان مسلم بن عقيل لم يولد في سنة 22 بل يشير ان مسلم اما ولد في سنة 7 او 8 للهجرة وبالتالي كان من الصحابة.. ولعله رأى النبي - صلى الله عليه واله - وجالسه.
ويقول الواقدي في فتح البهنساء: لما دخل المسلمون مدينة البهنساء بعد حصار طويل دخل مسلم بن عقيل وهو يقول:
ضنا في الحرب والسهر الطويل
|
|
|
|
وأقلقنــي التسهـد والعويــل
|
فواثـارات جعفـر مــع علـي
|
|
|
|
وما أبــدى جوابك يـا عقيـل
|
سأقتــل بالمهنـد كــل كلـب
|
|
|
|
عسى في الحرب أن يشفي غليلي
|
|
|
|
|
وكانت في ايام ابن الخطاب([4])، الذي توفي سنة 23 للهجرة.، والراوي يقول ان مسلم ولد سنة 22 فكيف ذلك !! هل كان مسلم - عليه السلام - يحبو وشارك في هذه الواقعة؟ !.
فعلى اقل تقدير كي يكون امير لفرقة عسكرية كبيرة نفترض ان عمره لايقل عن 15 سنة، و وبالتالي تكون ولادة سيدنا مسلم بن عقيل - عليه السلام - في سنة 7 او 8 للهجرة، في زمن النبي ’، لذلك نجد ان بعض المؤرخين لا يروق لهم ان يأتي قائد هاشمي ولد في زمن النبي ’ ويثور على الدولة الاموية ويسيطر على الكوفة عسكرياً ويجهز القاعدة العسكرية للإمام الحسين ×- عليه السلام - بالكتائب والجنود، وهذه مشكلة كبيرة عند التحالف القرشي.
لذلك اول شيء اراد ان يضرب به النص هو ان يجعل مسلم - عليه السلام - قد ولد في سنة 22 للهجرة. وبالتالي يدخل على معاوية سنة 40 عندما تولى الحكم معاوية بعد قضية الامام الحسن- عليه السلام -.
القضية الاخرى.. ان النص يريد من هذه الشخصية العملاقة ان تعيش حالة المراهقة وعدم النضج العقلي وبالتالي ينعكس ذلك على تصرفاتها حتى يصل الامر ان يغرر بها معاوية و بالأخص عندما يقول النص على لسان الامام الحسين - عليه السلام -: اما بعد فإنك غررت غلاما من بني هاشم.
يعني كأنما الامام الحسين- عليه السلام - يشير الى ان مسلم- عليه السلام - لا زال غلاما مغرورا يعيش مراهقة سايكولوجية ـ وحاشاه ـ وليس اهل ان يتكلم مع معاوية او ان يبيع ويشتري. وان وشخصيته ـ وحاشاه ـ فيها نقص لا بد ان تكتمل وتنضج في يوم من الايام.. هذه القضية تنفع مُنظّري التحالف العباسي لما سيأتي مستقبلا عندما يأتي نص من الامام الحسين - عليه السلام -وعليه اجماع السنة والشيعة (بأني باعث اليكم اخي وابن عمي وثقتي والمفضل من اهل بيتي مسلم بن عقيل)، اي يحاولون ضرب هكذا نص ويضربون هذه الوثاقة وهذا التسديد الذي قدمه الامام الحسين ×من اجل تغيير الخارطة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والادارية آنذاك في الكوفة.
مسألة اخرى.. هذا النص المزيف اراد ان يثبت هو وجود علاقة وِدّ بين آل محمد وآل امية.
ففي تكملة الرواية.. قول معاوية في كتابه للإمام الحسين - عليه السلام -:
اني قد رددت عليكم الارض وسوغت مسلما ما اخذ. فأجابه الحسين: ابيتم يا آل ابي سفيان الا كرما.
يعني لا توجد اي مشكلة بين آل عبد المطلب وآل ابي سفيان، مع العلم ان المشكلة بدأت مع التوحيد. سألوا مرة الامام الصادق - عليه السلام -: هل ان قضيتكم مع ال ابي سفيان بلعنهم هي قضية قبلية !
فكما تعلمون ان المقريزي من علماء مدرسة الصحابة عنده كتاب اسمه النزاع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم، حيث يصور معركة كربلاء ايضا على اساس قبلي اي انه هناك مشكلة قبلية بين قبيلتين احداهما آل عبد المطلب والاخرى آل ابي سفيان.
سأل الامام الصادق - عليه السلام -هل المشكلة مع ال ابي سفيان هي مشكلة قبلية، عشائرية، اجتماعية.. قال: لا، نحن وال ابي سفيان تعادينا في الله تعالى، فقلنا ـ آل عبد المطلب ـ صدق الله، وقالوا كذب الله.
هذا الكلام عليه شواهد: الذي قال ينشد:
لعبت هاشم بالملك فلا
|
|
خبر جاء ولا وحي نزل
|
إذن اراد هذا النص ان يسيء لشخصية مسلم بن عقيل- عليه السلام - العملاقة ويحاول ان لا يجعل ان هناك اي اختلاف بين آل عبد المطلب وآل ابي سفيان ويحاول ان يشكك في ولادة مسلم ابن عقيل - عليه السلام -.
وعندما يولد مسلم بن عقيل سنة 7 او 8 للهجرة وبالتالي عندما يدخل سنة 60 للكوفة، فان عمره مايقرب من 52 سنة، عندها تتغير عدد من الحسابات منها ان عمر التجارب اضيف الى شخصية مسلم ابن عقيل- عليه السلام - هذه الشخصية التي حاولت مؤسسة التحالف القرشي وفيما بعد التنظير العباسي ان تجعلها شخصية هزيلة، وارادت ان تجعل مسلم ابن عقيل - عليه السلام - انسان ضعيف في اتخاذ قراراته، ومرتبك في علاقته مع الجماهير، واراد ان يوصل للناس ان مسلم بن عقيل ـ كما سنقرأ في النص ـ لم يكن اهلا لحمل المسؤولية، فهو يكتب للحسين - عليه السلام - عندما كان في الخبت كما يقول ابن الاثير، يقول له اعفني من هذه المهمة يا بن رسول الله، ومتى سجل التاريخ على مر الحروب والمعارك انهزام لقائد من قيادات ال عبد المطلب، فهناك 82 معركة للرسول ’ لم ينطق احد من آل عبد المطلب من قياداتهم كالحمزة وعبيدة بن الحرث وأمير المؤمنين سلام الله عليه وجعفر الطيار، لم ينطق احدا منهم بهذه الكلمة، لم يعرف منهم انه جبن وحاشاهم، لم يترددوا ذات يوم ولم يبتعدوا عن ساحة المواجهة، بل كان كل هؤلاء فداء للإسلام ومناهجه القويمة.
فهل من المعقول ان يأتي مسلم بن عقيل ثقة الحسين - عليه السلام - والمفضل عنده والمخلص من اهل بيته ويحاول ان يتراجع عن المهمة.. لماذا؟ لأنه ضل الطريق !!! هذه من محاولات مؤسسة التحالف القرشي ان تسيء لهذه الشخصية العملاقة.
([1]) شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ج11، ص192.
([2]) ميزان الاعتدال، ج4، ص 253.
([3]) معجم الادباء، ياقوت الحموي، ج14, ص124.
([4]) النويري، نهاية الأرب, ج6, ص50.