تحديث
29/06/2018 3:04 مساءا
اما من ناصر ينصرنا : قضية الاستنصارات التي نادى بها الامام الحسين ع اثناء مسيره الثوري ليست فقط في ارض كربلاء، فالإمام الحسين ع فعندما كان في مكة استنصر القوم، وعندما كان في المدينة استنصر القوم، وطوال الطريق من المدينة المنورة إلى مكة، تقريباً لمسافة أربعة أيام، وطوال الطريق من مكة المكرمة إلى كربلاء لمسافة تقرب من 23 يوماً، في بعض الأحيان الإمام الحسين ع يخطب في الناس ويدعوهم إلى نصرته، طبعاً دعوة المعصوم اليوم إلى نصرته لا يمكن أن تفهم بأنها ضعف، ولا يمكن أن تفهم بأن المعصوم ع وصل إلى مرحلة من الضعف الجسدي والمعنوي أنه يطلب مدداً، لا، فدعوة الاستنصار إنما أراد منها المعصوم أن يحقق غايتين:
الأولى: أن يلقي الحجة على الأعداء، لكي لا يكون شخص في يوم القيامة: يا رب، أنا لو قال لي الحسين انصرني، لانتصرت للحسين! فلله الحجة البالغة، فربما واحد من جيش عمر بن سعد يقول: يا رب أنا لم أعرف الحسين ع ، يقول له: ألم يعرف عن نفسه، قال: يا رب أنا لم أسمع صوت الحسين ع، فيقول له: ألم يقل الحسين: أما من ناصر ينصرنا؟! بالفعل هذه الدعوة من أبي عبد الله الحسين ع لاقت استحساناً من بعض جيش ابن سعد الذين لم تتلوث فطرتهم، وكما في بعض المصادر أنه انتقل قرابة 32 شخصية من القيادات العسكرية، من الضباط والجنود، انتقلوا من جيش عمر بن سعد إلى جيش الإمام الحسين ع، ومنهم قائدان كبيران: أبو الحتوف الأنصاري، وأخوه سعد بن حارثة الأنصاري! قائدان كبيران في جيش عمر بن سعد، انتقلا بعد دعوة الحسين ع، فأولاً أراد الإمام ع أن يلقي الحجة على القوم، وبهذا نفسر أن الإمام ع أخرج لهم رضيعه، وقال: إن اللبن جف من أمه فاسقوه ماءً، وهذا من باب الاحتجاج وإلقاء الحجة على القوم.
وثانياً: أراد الإمام ع أن يؤصل لمشروعه المستقبلي، أن يجعل هذه النهضة التغييرية التي قام بها الحسين ع، وقدم القرابين والتضحيات، أراد من هذه النهضة أن تبقى واعيتها وأن تبقى صرختها مستمرة، لكي تحرك الأجيال، جيلاً بعد جيل، ولكي تتناغم معها تلك القلوب.
ألم يقل جابر بن عبد الله الأنصاري لعطية:( يا عطية، والله لقد نصر الحسين في عاشوراء أقوام لازالوا في أصلاب الرجال) يعني هذه الدعوة من أبي عبد الله، لم تكن فقط لمخاطبة هذا المجتمع الذي كان عند الحسين ع، المجتمع الذي قتله، وانما أراد من الدعوة إلقاء الحجة على الموجودين وفيما بعد إرسال دعوة مميزة عبر الأجيال والأصلاب والأرحام، تمتد إلى آلاف السنوات، لكي تلتحق الناس بمسيرة أبي عبد الله ع.
عن أبي عبدالله الصادق ع قال : لمّا أمر الله عزّوجلّ إبراهيم وإسماعيل ‘ يبنيان البيت وتمّ بناؤه ، أمره أن يصعد ركناً، ثمّ ينادي في الناس (ألا هَلَّم الحجّ ) فلو نادى هلمّوا إلى الحجّ لم يحج إلّا من كان يومئذ انسيّاً مخلوقاً، ولكن نادى (هَلَّم الحجّ ) فلبّى الناس في أصلاب الرجال (لبّيک داعي الله لبّيک داعي الله) فمن لبّى عشراً حجّ عشراً، ومن لبّى خمساً حجّ خمساً، ومن لبّى أكثر فبعدد ذلک ، ومن لبّى واحداً حجّ واحداً، ومن لم يلبّ لم يحجّ([1]).
وكذلك الحسين ع فعل، عندما قال: أما من ناصر ينصرنا أهل البيت، فهي لم تكن قضية ضعف، لا، فالحسين ع كان في موضع القوة، وإن تعرض للقتل والجراح، لكنه كان عزيزاً، وأعلن بصريح العبارة: (هيهات منا الذلة)، ونزلت عليه الأفواج لنصرته([2]).
([1]) المجلسي ،بحار الأنوار: ج12 : ص 105 ح17.
([2]) وقال شيخنا المفيد باسناده إلى أبي عبد الله الصادق ع قال: لما سار أبو عبد الله الحسين ع من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسَّومة في أيديهم الحراب.. فسلموا عليه، وقالوا: .. إنَّ الله سبحانه أمدَّ جدك بنا في مواطن كثيرة، وإنَّ الله أمدَّك بنا، فقال لهم: الموعد حفرتي وبقعتي التي أُستشهد فيها وهي كربلاء، فإذا وردتُها فأتوني. بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 44 ص 330.