تحديث
07/01/2018 8:46 صباحا
الايام المكية من النهضة الحسينية -المعجم الشامل لمعركة كربلاء
ومكث الامام الحسين ع في مكة ما يقرب من أربعة أشهر وخمسة أيّام. اي 125 يوما، وهي الايام المكية التي قضاها الامام الحسين ع في مكة المكرمة وقد حملت في طياتها الكثير من الامور التي ساعدت على التمهيد لثورة ابي عبد الله ع والاتصال بالقبائل وارسال الرسل الى الاقاليم والارتباط بالقيادات العسكرية ..وللأسف الايام المكية من عمر النهضة الحسينية مجهولة ولم تدرس تفاصيلها والى الادوار التي تبناها الامام الحسين ع فيها ...وكيف التقى بالوفود ورؤساء القبائل وكيف نشر سفرائه ...وكيف استقبلت الجماهير وتفاعلت مع الامام الحسين ع في مكة
قال ابن كثير: « و عكف الناس بمكّة يفِدون إليه، ويجلسون حواليه،ويستمعون كلامه، وينتفعون بما يسمعون منه، ويضبطون ما يروون عنه » ([1]).
ولنا على هذا النص عدةتعليقات :
منها – النص يظهر ان الامام الحسين ع يتمتع بشعبية كبيرة فهو وفد الى مكة ولم يأته شيعته ،فقط بل ان الناس يأتونه افواجا وحتما كان جزء ممن يأتيه طوال هذه ال 125 يوم التي قضاها في مكة الرجال من المقاتلة ،فقد انضموا الى صف الثوار الذين ثاروا معه واصبحوا من جنود كربلاء الفداء وانطلقوا معه الى كربلاء الشهادة لكن التاريخ اخفى ذلك كثيرا .
منها – ان جلوس الناس حوالي الحسين ع وفق الظروف الامنية التي كانت في مكة تجعل الذين يردون الى الامام الحسين ع ،ويجلسون عنده صفوة الناس لان الوضع كان خطيرا وعوام الناس تتجنب ان تفتح على نفسها عيون ال امية وبطشهم ..فالصفوة من رجالات المجتمع هم من كان يستفيد من مجالسة الامام الحسين ع والانتفاع من علومه ..
منها – ان جزء من مجالس الامام الحسين ع ولقاءاته اليومية التي خصصها للناس كانت تحمل طابعا علميا روائيا فهم يسمعون منه الاحاديث ويضبطونها كما تقول الرواية . وبالتالي ساهم الامام الحسين ع في اعادة احياء سنة النبي ’ التي حاول ال امية طمسها ..ونشر احاديث النبي الاكرم ’ التي لم يجرأ على نشرها احد خوفا من بطش ال امية اذن يتضح مما تقدم ان واحدة من مميزات الايام المكية التي قضاها الامام الحسين ع في مكة ايام نهضته المباركة هي السمة العلمية والمعرفية والارتقاء بواقع المجتمع نحو افق علمي افضل واجمل .
وهنالك نصوص اخرى لكبار علماءنا اثبتت ان اهل مكة ايضا تعاطوا بشكل كبير مع قضية الامام الحسين ع وكانوا يأتون اليه ويستفيدون من علومه الشريفة التي هي علوم الاسلام الاصيلة ،فقد قال الشيخ المفيد (قدس سره): « فأقبل أهلها يختلفون إليه، ومَن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق... » ([2]).
بل ان علائم فرح اهل مكة واضحة المعالم وذكرها اهل التاريخ وهم يرون ان ريحانة النبي ’ حل بين اظهرهم:
ففي الفتوح :( أنّ أهل مكّة فرحوا به ع فرحاً شديداً، وجعلوا يختلفون إليه بُكرة وعشيّاً...) ([3]).
فالنص يشير الى حصول حالة فرح شديد وغير مسبوق من اهل مكة حينما علموا ان الامام الحسين ع سيمكث بينهم بضعة اشهر ..وهذه الحالة من توجه اهل مكة نحو الامام الحسين ع والالتفاف حوله والاختلاف اليه و الانتهال من علومه الشريفة لم يسجلها التاريخ من قبل. فكم مرة اتى الحسين ع الى مكة حاجا ومعتمرا لكنه لم يلق كل هذا الترحيب والتفاف من قبل جمهور المكيين والاختلاف الى مجلسه العلمي والسياسي ..وهذا لابد ان يدرس دراسة متأنية وواضحة من قبل اهل الاختصاص والباحثينلكشف اسباب انهيال اهل مكة على مجلس الحسين ع وفرحهم به فرحا شديدا غير مسبوق ..فلابد ان تكون هنالك دوافع دفعتهم للتصرف هكذا مع ريحانة النبي ’ وهنالك اسباب دعتهم الى الاحتفاء الكبيربريحانة النبي ’.. يا ترى ماهي الاسباب التي حاول كتاب البلاطات العباسية ان يخفوها عنا ..؟ ولماذا همش دور اهل مكة في حرب كربلاء ولماذا لم يذكر اسماء اهل مكة الذين دافعوا عن الحسين ع واستشهدوا دونه ..؟ انها مؤامرة كبرى على تاريخ كربلاء تبنتها بلاطات ال امية وال العباس بتغييبها الكثير من احداث وقعة الطف وما قبلها ..
بل ونجد ان هنالكمؤرخ اخر اتى بنص يثبت ان هنالك طوائف ليسوا من اهل مكة كانوا يفدون على الامام الحسين ع خلال الايام المكية التي قضاها في مكة قبل شهادتهفيختلفون اليه ويأتون ويلتقون به :
قال ابن الصباغ: « فأقبل الحسين حتى دخل مكّة المشرّفة ونزل بها، وأهلها يختلفون إليه ويأتونه، وكذلك مَن بها من المجاورين والحُجَّاج والمعتمرين من سائر أهل الآفاق »([4]).
والنص واضح الدلالة على ان المعتمرين والحجاج من سائر الافاق والاقاليم كان يفدون على الامام الحسين ع يومها ومن هنا نعرف اهمية هذه الايام ،وكيف كان الامام الحسين ع ينشر افكار الاسلام الاصيل بينهم فيبلغونها لأهلهم وقبائلهم عندما يعودون وكيف كان يصطفي منهم رجالا عرفوا بالثقة والشجاعة فينصرونه يوم كربلاء الدموي .
([1]) ابن كثير ،البداية والنهاية: ج ٨ ، ص 153.
([2]) المفيد ،الإرشاد: ٢٢٣ ص .
([3]) ابن اعثم ، الفتوح: ج ٥ص ٢٦.الطبرسي، إعلام الورى: ص223.
([4]) ابن صباغ المالكي ،الفصول المهمَّة: ١٨٣.