تحديث
21/10/2017 9:56 صباحا
الاستعفاء من السفارة الحسينية- المعجم الشامل لمعركة كربلاء :
من الاكاذيب التي روجت لها كتب بلاطات بني العباس والتي ارادت الاساءة لدور سيدنا مسلم بن عقيل ع في النهضة الحسينية .
فقد روى الطبري في تأريخه: أنّ مسلم بن عقيل ع بعث إلى الإمام الحسين ع أثناء طريقه إلى الكوفة، يطلب منه أن يعفيه من مهمَّة السفارة إلى أهل الكوفة، في قصّة هي على رواية الطبري كما يلي:
« فأقبل مسلم حتى أتى المدينة، فصلّى في مسجد رسول الله، وودَّع مَن أحبّ من أهله، ثمّ استأجر دليلين من قيس فأقبلا به، فضلاَّ الطريق وجارا، وأصابهم عطش شديد، وقال الدليلان: هذا الطريق حتى تنتهي إلى الماء، وقد كادوا أن يموتوا عطشاً « وفي رواية الإرشاد: ومات الدليلان عطشاً »، فكتب مسلم بن عقيل - مع قيس بن مُسهَّر الصيداوي - إلى الحسين، وذلك بالمضيق من بطن الخُبيت « وفي رواية الإرشاد: بطن الخبت »: (أمّا بعدُ، فإنّي أقبلت من المدينة معي دليلان لي، فجارا عن الطريق وضلاَّ، واشتدّ علينا العطش، فلم يلبثا أن ماتا، وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء، فلم ننجُ إلا بحشاشة أنفسنا، وذلك الماء بمكان يُدعى المضيق من بطن الخبيت، وقد كتب الحسين ع :( أمّا بعدُ، فقد خشيت ألاّ يكون حملك على الكتاب إليَّ في الاستعفاء من الوجه الذي وجّهتك له إلاَّ الجُبن، فامضِ لوجهك الذي وجَّهتك له، والسلام عليك ) ([1]).
فقال مسلم لمن قرأ الكتاب «وفي رواية الإرشاد: فلمَّا قرأ مسلم الكتاب قال:»: هذا ما لستُ أتخوّفه على نفسي... »([2]).
والرواية اعلاه عليها جملة من المؤاخذات ذكرها من درس هذه الرواية:
منها : ما قاله السيّد المقرَّم (قدس سره): « فإنّ المتأمّل في صكِّ الولاية الذي كتبه سيد الشهداء لمسلم بن عقيل، لا يفوته الإذعان بما يحمله من الثبات والطمأنينة ورَباطة الجأش، وأنّه لا يهاب الموت، وهل يعدو بآل أبي طالب إلاّ القتل الذي لهم عادة وكرامتهم من الله الشهادة؟! ولو كان مسلم هيّاباً في الحروب؛ لَما أقدم سيد الشهداء على تشريفه بالنيابة الخاصة عن التي يلزمها كلّ ذلك.فتلك الجملة التي جاء بها الرواة، وسجّلها ابن جرير للحطِّ من مقام ابن عقيل الرفيع، مُتفكِّكة الأطراف واضحة الخلل!
كيف، وأهل البيت ومَن استضاء بأنوار تعاليمهم لا يعبأون بالطيرة ولا يُقيمون لها وزناً؟!وليس العجب من ابن جرير إذا سجّلها؛ ليشوّه بها مقام شهيد الكوفة، كما هي عادته في رجالات هذا البيت، ولكنَّ العجب، كيف خفيت على بعض أهل النظر والتدقيق حتى سجّلها في كتابه، مع أنّه لم يزل يلهج بالطعن في أمثالها ويحكم بأنّها من وضع آل الزبير ومَن حذا حذوهم؟! » ([3]) .
منها : أنّ الشيخ باقر شريف القرشي يُنكر أصل الرسالة والجواب، ويراهما من الموضوعات حيث يقول:
١- ( إنّ مضيق الخبت الذي بعث منه مسلم رسالته إلى الإمام يقع ما بين مكّة والمدينة حسب ما نصّ عليه الحموي([4])، في حين أنّ الرواية تنصّ على أنّه استأجر الدليلين من يثرب، وخرجوا إلى العراق، فضلّوا عن الطريق ومات الدليلان. ومن الطبيعي أنّ هذه الحادثة وقعت ما بين المدينة والعراق، ولم تقع ما بين مكّة والمدينة، فتأمل) .
٢- إنّه لو كان هناك مكان يُدعى بهذا الاسم يقع ما بين يثرب والعراق لم يذكره الحموي، فإنّ السفر منه إلى مكّة ذهاباً وإياباً يستوعب زماناً يزيد على عشرة أيّام، في حين أنّ سفر مسلم من مكّة إلى العراق قد حدّده المؤرّخون فقالوا: إنّه سافر من مكّة في اليوم الخامس عشر من رمضان، وقَدم إلى الكوفة في اليوم الخامس من شوّال، فيكون مجموع سفره عشرين يوماً، وهي أسرع مدّة يقطعها المسافرمن مكّة إلى المدينة « ثمّ إلى الكوفة » وإذا استثنينا من هذه المدّة سفر رسول مسلم من ذلك المكان ورجوعه إليه، فإنّ مدّة سفره من مكّة إلى الكوفة تكون أقلّ من عشرة أيّام، ويستحيل - عادة - قطع تلك المسافة بهذه الفترة من الزمن.
٣- إنّ الإمام اتّهم مسلماً - في رسالته - بالجُبن، وهو يُناقض توثيقه له: من أنّه ثقته وكبير أهل بيته، والمبرّز بالفضل عليهم، ومع اتّصافه بهذه الصفات، كيف يتّهمه بالجُبن؟!.إنّ اتّهام مسلم بالجُبن يتناقض مع سيرته، فقد أبدى هذا البطل العظيم من البسالة والشجاعة النادرة ما يُبْهر العقول؛ ويقول فيه البلاذري: إنّه أشجع بني عقيل وأرجلهم ([5])، بل هو أشجع هاشمي عرفه التأريخ بعد أئمّة أهل البيت ^.
والخلاصة كما يقول العلامة القرشي :إنّ هذا الحديث من المفتريات الذي وضِع للحطِّ من قيمة هذا القائد العظيم، الذي هو من مفاخر الأمّة العربية والإسلامية » ([6]) .
([1]) الطبري ،تاريخ الطبري ج ٣، ص ٢٧٨، الدنيوري ،الأخبار الطوال ص ٢٣٠.
([2]) الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ج ٣، ص ٢٧٨،
([3]) المقرم ، مسلم بن عقيل × ص ١٣٨.
([4]) ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، ج٢:ص ٣٤٣.
([5]) البلاذري ،أنساب الأشراف ، ج ٢: ص٨٣٦.
([6]) القرشي ،حياة الإمام الحسين × ج٢: ٣٤٣ص - ٣٤٤.