تحديث
08/03/2017 11:03 صباحا
بحوث منبرية من كنابنا فيض السماء في مجالس عاشوراء 2
دور مؤتمر منى في الاعداد لمعركة كربلاء سنة 61
ومن المباحث المهمة التي لم يسلط عليها الضوء من قبل الاخوة الخطباء في ايام محرم هو مؤتمر منى ودوره في معركة كربلاء الدموية ، فلما علم ال امية علم اليقين ان الامام الحسين ع مصمم على القيام بنهضة كبرى في الامصار وانه يدعو الناس الى القيام ضد الحكومة الاموية اشاروا الى عاملهم في المدينة الى ضرورة منع اللقاءات المتكررة بين الامام الحسين ع وشيعته ..
روى البلاذري قال: حجب الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - كان أميرا على المدينة لمعاوية سنة ٥٧ - ٦٠.-أهل العراق عن الحسين، فقال له الحسين: « يا ظالماً لنفسه، عاصياً لربّه، علامَ تحول بيني وبين قوم عرفوا من حقّي ما جهلته أنت وعمّك؟ ».
فقال الوليد: ليت حلمنا عنك لا يدعو جهل غيرنا إليك، فجناية لسانك مغفورة ما سكنت يدك، فلا تخطر بها فنخطر بك... ([1]) .
لكن الامام الحسين ع على الرغم من المنع وحجب شيعته عنه كانت لديه الكثير من الطرق التي توصل تعاليمه وافكاره واوامره الى شيعته مثل الرسائل التي يرسل بها عبر سفرائه ومعتمديه الى سائر الاقاليم لدعوتهم للانضمام الى قضيته العادلة ..او عن طريق اللقاءات السرية بزعامات الشيعة وقياداتهم العسكرية سواءا في الحج او عند زيارة قبر النبي الاكرم ’.
اما مؤتمر منى فلم يسلط عليه مايكفي من ضوء ولننقل لاحبتنا القراء الحسينيين نصه التاريخي فقد روى سليم بن قيس: لما كان قبل موت معاوية بسنة حجّ الحسين بن علي ‘ وعبد اللّه بن عباس وعبد اللّه بن جعفر، فجمع الحسين بني هاشم ثمّ رجالهم ونساءهم ومواليهم ومَنْ حجّ من الأنصار ممّن يعرفه الحسين وأهل بيته ^ ، ثمّ أرسل رسلاً لا تدعون أحداً حجّ العام من أصحاب رسول اللّه ’ المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ اجمِعوهم لي، فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمئة رجل وهم في سرادقه، عامّتهم من التابعين ونحو من مئتي رجل من أصحاب النبي ’
فقام فيهم خطيباً، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: « أمّا بعد، فإنّ الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم، وعلمتم وشهدتم، وإنّي اُريد أن أسألكم عن شيء، فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبت فكذّبوني. اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي، ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم؛ فمَنْ أمنتم من الناس ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقّنا؛ فإنّي أتخوّف أن يُدْرس هذا الأمر، ويذهب الحقّ ويُغلب، واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون ».
وما ترك شيئاً ممّا أنزله الله فيهم من القرآن إلاّ تلاه وفسّره، ولا شيئاً ممّا قال رسول الله ’ في أبيه وأخيه وأمّه وفي نفسه وأهل بيته إلاّ رواه...، وفي كلّ ذلك يقول أصحابه: اللّهمّ نعم، وقد سمعنا وشهدنا. ويقول التابعي: اللهمّ قد حدّثني به مَنْ أثق به وائتمنه من الصحابة.
فقال: « أنشدكم الله إلاّ حدّثتم به مَنْ تثقون به وبدينه ».( ) ([2]) كتاب سليم بن قيس (تحقيق محمد باقر الانصاري ص321).
وكما قلنا ان من المؤسف ان مؤتمر كبير بمثل منى الذي عقده الامام الحسين × قبيل انطلاق نهضته المباركة لم يسلط عليه الضوء كثيرا ولم يدرس ابدا من حيث الاسباب التي دعت لانعقاده والظروف الحرجة التي انعقد فيها وكيفية ترتيب المؤتمر وفق الاحداث الساخنة يومها ...وماهي الاليات التي اتبعها الامام الحسين × لتوفير الحماية لهذا العدد الكبير من خلص اتباعه واوليائه ...وعلى العموم هذه بعض الوقفات مع نص هذا المؤتمر الذي نقلناه :
اولا : ان معاوية توفي سنة 60 للهجرة فقد توفّي في دمشق عن 78 سنة بعدما عهد بالأمر إلى ابنه يزيد بن معاوية ودفن في دمشق وكانت وفاته في رجب سنة 60 هـ كان خلالها والياً ل 20 عام وخليفة ل 20 عام أخرى([3]) .
وبالتالي نجد ان تاريخ توقيت المؤتمر يكون في سنة 59 للهجرة وهو توقيت قريب جدا على اعلان الامام الحسين × لنهضته المباركة ضد اشياع ال امية.
ثانيا : ان انعقاد هذا المؤتمر وفق الظروف السياسية المضطربة التي سادت البلاد في اخر سنتين من حكم معاوية الذي اصيب باللقوة([4]) وبدا واقع الحكم الاموي يتردى كثير لان بعض النصوص تقول ان معاوية خرف في اخر سنتين من حكمه او اصيب بفقدان الذاكرة او مرض نفسي اخر كما أشار بعض الباحثين او اصيب بمرض يسمى الدبيلة ، وأن النبي ’ أشار إلى أحد ممن صحبه أنه يموت على غير ملة الإسلام وعلامة أمره أنه يُصاب بداء الدبيلة ويموت بسببه. وهي قرحة تظهر في الظهر ورأسها إلى الداخل فتنفجر في الداخل. ([5]) .
،أما أين أصيب باللقوة؟ ففي الأبواء وفيها قبر آمنة بنت وهب أم النبي (ص) مع أن طريق الحاج لا تمر بها في العادة وليست ثغراً من ثغور المسلمين حتى يتفقده معاوية، فلماذا كان في الأبواء؟ لا أجد سبباً كافياً إلا وجود قبر آمنة بنت وهب فيها، ( نعم أصبحت الجادة منها فيما بعد، أما في عهد معاوية فلم تكن الجادة).
إذن فإذا صح هذا الاحتمال فماذا تتوقعون نية معاوية؟ وماذا يريد من رفات أو جثة أم النبي (ص)؟
قال احد المحققين من الكتاب وهو السيد سامي البدري : من خلال معرفتي بمعاوية وأبيه وأمه، فأنا أرجح أنه أراد منها ما أراده من جثة سيد الشهداء حمزة! ونحن نعرف أن جثة حمزة أجرى عليها الماء مع حفر القبور ( قبور الشهداء) بحجة أنه يريد ماء لقصر بناه هناك! وضربوا قدمه بالمسوح فثعب دماً، وربما قبر آمنة بنت وهب ليس بجوارها بئر أو ماء نضاح فماذا يكون الحل؟ كيف يستطيع أن يهين هذه الجثة الشريفة كما أهان جثة حمزة؟ الجواب سهل، أن ينبش قبرها ويرميها في بئر عادية قديمة، انتصاراً لخاله وجده وأخيه يوم بدر الذين ألقاهم النبي ’ في قليب بدر .
إذن فقد ذهب الرجل يستطلع الآبار القديمة ومع أول بئر عادية ينظر فيها ضربه بالله باللقوة فشغله الله بنفسه، وأسرع إلى مكة.. وجرى كلامه هذا في مكة.
من كل ما تقدم يظهر ان المرض احذ معاوية خلال اخر سنتين من عمره اخذا شديدا وبالتالي استغل الامام الحسين × هذه الفرصة لكي يكون له تحرك واسع لجمع الشيعة اثناء الحج واللقاء معهم واعطاءهم خارطة عمل متكاملة لما ينتظرهم في المستقبل اضافة الى اشباع الجانب المعرفي لديهم .
ثالثا: قوله : (ثم ارسل رسلا ..) يعني ان الامام الحسين ع قبل موسم الحج او اثناء ارسل رسله الى الاقاليم التي يوجد فيها اتباع اهل البيت ^ في اليمن والبصرة والكوفة والمدائن وخراسان كي يكون لهم موعد معهم ومؤتمر كبير في سنة 59 في منى .
رابعا : ان اجتماع اكثر من 900 رجل من الصحابة والتابعين من الانصار الذين هم المكون الموالي لأهل البيت ^ والمدافع عنه دوما والمظلوم من قبل تاريخ بلاطات بني العباس وعدة من المهاجرين ،هذا الاجتماع وان لم يفصح فيه عن اسماء المجتمعين ولا عن انتماءاتهم القبيلة او توزعهم الاقليمي لان ال العباس أرادوا اخفاء دور وبطولات الشيعة عبر التاريخ فلم يشيروا الى شيء من ذلك في مصادرهم ومصادر التاريخ خالية من ذكر مؤتمر منى الا ما ورد في كتب الشيعة اعزهم الله تعالى ...وهؤلاء المجتمعون حتما بايعوا الحسين ع على النصرة والذوبان للدفاع عنه وعن قضيته الكبرى في تغيير معادلات الاحداث آنذاك وان اختزلهم التاريخ من 900 او الف واكثر الى 70 مقاتلا واتهم من بقى بالخذلان والخيانة في اكبر عملية مصادرة لجهود اتباع قائد في التاريخ واكبر اساءة للشيعة عبر التاريخ بانهم خذلوا امامهم وقتلوه ثم بكوا عليه وهذه الفرية لازالت اليوم تطرح ممن لا حريجة له في الدين ولا تحقيق له في النصوص ولا ذمة له في تقصي الاحداث والوقائع .
خامسا : ان قول الامام الحسين ع : (اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي، ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم؛ فمَنْ أمنتم من الناس ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقّنا..) يدل على ان الامام ع قام اعطاهم خريطة عمل متكاملة للمستقبل السياسي الذي سيعيشوه، وبين لهم معالم الطريق وكيفية التصرف بحكمة ودراية تجاه الاحداث التي ستقع مستقبلا ..ومن ثم امرهم ان يبلغوا وصاياه وتعليماته الى قبائلهم وامصارهم وهذا يدلل على انهم اتوا من امصار متعددة ومتفرقه واقاليم كلها تدين بالولاء لأهل هذا البيت الطاهر ع..وامرهم ايضا ان يدعو الناس الثقاة الى حق اهل البيت ^ في الخلافة وكيف ان معاوية انقلب عسكريا على الشرعية وابتز السلطة (([6]))وتقمص قميص ليس اهلا ان يتقمصه .
سادسا : ايضا نقرا في النص اعلاه : (وما ترك شيئاً ممّا أنزله الله فيهم من القرآن إلاّ تلاه وفسّره، ولا شيئاً ممّا قال رسول الله ’ في أبيه وأخيه وأمّه وفي نفسه وأهل بيته إلاّ رواه...)،وهذا يدل على طول مدة المؤتمر فلا يستطيع الامام الحسين × خلال سويعات عديدة ان يبلغ كل الحاضرين بكل شيء اخبره النبي ص واله بفضائلهم وما انزل القران بفضائل اهل البيت ع وما خصهم به من الفضل والكرامة وهذا يحتاج عدة ايام لتبليغ المهم من امرهم ^ ويحتاج كما قلنا الى طوق امني محكم كي لا يخترق من قبل اشياع الدولة الاموية والى تنظيم عالي المستوى كي لا يساء الى قضية المؤتمر او الى الحاضرين .
سابعا : وللأسف لم تصل الينا المقررات العامة المهمة لذلك المؤتمر , لان مؤتمرا بهذا الحجم من الحضور لقيادات الشيعة الروحية والعسكرية لابد ان تتمخض عنه توصيات وقرارت هامة بلحاظ انه انعقد في وقت خطير واستثنائي وعلى مراءى ومسمع من حكومة بني امية في مكة ...
ولا نستبعد ابد انه من ضمن مقررات هذا المؤتمر البالغ الاهمية في مسيرة النهضة الحسينية هو اعلان الثورة ضد حكام ال امية والاستعداد الامني واللوجستي العالي المستوى للمرحلة القادمة وكيفية تحقيق معادلات النجاح والانتصار العسكري على اشياع ال امية ، ووضع الخطط الكفيلة بإيقاع اكبر هزائم بالدولة الاموية .
فيض السماء في مجالس عاشوراء - الشيخ عقيل الحمداني ص 39 ومابعدها .
([1]) أنساب الأشراف - ترجمة الحسين ٣ / ١٥٧. .
([2]) أنساب الأشراف - ترجمة الحسين ٣ / ١٥٧. .
([3]) ابن الاثير ، الكامل ج3 ص 119 ..
([4]) في حلية الأولياء : حَدَّثَنا أبي رحمه الله ...حَدَّثَنا محمد بن إدريس الشافعي قال: ذكروا أن معاوية بن أبي سفيان اعتمر فلما قضى عُمَرته وانصرف بالأبواء فاطلع في بئرها العادية فضربته اللقوة فقال .. أنا اليوم ابن ستين سنة.. ثم بكى! فارتفع الناس عنه. أبو نعيم ،حلية الأولياء: ح430 - ج9 ص 154.. فإذا كان عمره ستين سنة ساعة إصابته باللقوة، فهذا يعني أنها إصابته في أول ملكه، لأن عمره كان (78سنة) ومات سنة 60هـ وهذا يعني أن اللقوة بقيت فيه ثماني عشرة سنة، من سنة 42هـ بعد سنة واحدة من استلامه الملك. (أن معاوية أصابته اللقوة قبل أن يموت، وكان اطلع في بئر عادية بالأبواء لما حج، فأصابته لقوة، يعني بطل نصفه ) اهـ الذهبي ،تاريخ الإسلام: ج4 ص 315.
وفي البيان والتبيين ،أشار الى آثار اللقوة.. (ولما سقطت ثَنِيَّتا معاوية لفَّ وجهَه بعمامة..). الجاحظ ، البيان والتبيين : ج 1 ص 332.
وفي سير أعلام النبلاء : ( وَقِيْلَ: كَانَ بِهِ اللَّقْوَةُ، بَقِيَ فِيْهَا حَتَّى مَاتَ - رَحِمَهُ اللهُ - !! اهـ بل لا رحمه الله..) الذهبي ،سير أعلام النبلاء :- ج27 ص 124.
([5])فعن حذيفة قال: كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود وعمار يسوق أو عمار يقود وأنا أسوق به إذ استقبلنا اثنا عشر رجلاً متلثمين قال: هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، قلتُ: يا رسول الله ألا تبعث إلى كل رجل منهم فتقتله؟ فقال: أكره أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه وعسى يكفينيهم الدبيلة، قلنا: وما الدبيلة؟ قال: شهاب من نار يوضع على نياط قلب أحدهم فيقتله) الهيثمي ،مجمع الزوائد : ج ١ص ١٠٩. . قال الزمخشري : (معاوية قال أبو بردة: دخلت عليه حين أصابته قرحة فقال: هلم يا ابن أخي فانظر فتحولتُ فإذا هي قد ثبرت فقلتُ: ليس عليك يا أمير المؤمنين بأس: أي : انفتحت ونضجت وسالت مدتها، لأن عاديتها تذهب وتنقطع عند ذلك، وهذا من باب فعلته ففعل يقال: ثبرة الله مثبر أي: هلك وانقطع) الزمخشري ،الفائق: ج1 ص162
([6])الحسن البصري الفقيه البصري المعروف والذي أبدى رأيه في معاوية - الصحابي - صراحة حيث يقول: أربع خصال كن في معاوية ولو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة:
(انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزوها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة. استخلافه ابنه بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب الطنابير. ادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله ’: الولد للفراش وللعاهر الحجر. قتله حجر وأصحابه ويل له من حجر وأصحابه ويل له من حجر وأصحابه تاريخ الطبري 5: 279.. فهذا التابعي يشنع على معاوية أمورا منها أنه انتزى على حكم المسلمين بالقوة والباطل رغم وجود بقية باقية من خيار الصحابة.
وقال في لسان العرب ج14 ص 239:وفي حديث وائل بن حجر : إن هذا انتزى على أرضي فأخذها ، وهو افتعل من النزو . والانتزاء والتنزي أيضا : تسرع الإنسان إلى الشر . وفي الحديث الآخر : انتزى على القضاء فقضى بغير علم .